للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قولُه -رحمه الله- (١): (لأنهُ تعلَّقَ به نفعُ العبادِ) (٢) دليلُ الأصحِّ، وإنْ لم يكنْ بالسماءِ عِلَّةُ لم تقبلْ إِلاَّ شهادةُ جماعةٍ (٣) (٤)، أي: في هلالِ الفِطْرِ، وكذلك الحُكْمُ في هلالِ رمضانَ أيضاً إِلاَّ أنَّ سوقَ الكلام هِاهنا في حقِّ هلالِ الفِطْرِ كما ذكرنا إشارةُ إلى قولهِ (٥)؛ لأنّ التفردَ بالرؤيةِ إلى آخره {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} (٦) ذَكَرَهُ في «الكَشَّاف» (٧): الخيطُ الأبيضُ أولُ ما يبدو مِن الفجرِ المعترضِ في الأفقِ كالخيطِ الممدودِ، والخيطُ الأسودُ ما يمتدُّ معهُ مِنْ غَبَشِ الليلِ، شُبِهَا بخيطينِ: أبيضَ وأسودَ،] وقال (٨): مِنَ الفجرِ بيانٌ للخيطِ الأبيضِ، واكتفى به عن بيانِ الخيطِ الأسودِ، أي: مِن أنْ يقولَ: إنهُ من الليلِ؛ لأنَّ بيانَ واحدِهما بيانٌ للثاني.

(والصَّوْم هو الإمساكُ عن الأَكْلِ، والشُرْبِ، والجِماعِ نهاراً مع النيةِ) (٩).

قال الشيخُ الإمامُ بدرُ الدينِ الكردري -رحمه الله- (١٠): هذا الحدُّ ينتقضُ طرداً، وعكساً، أما طرداً ففي أَكْلِ النَّاسِي فإنَّ صوَمهُ باقٍ، والإمساكُ فائِتٌ، وفيمَنْ أَكَلَ قَبْلَ طُلوعِ الشمسِ بعدَ طلوعِ الفجرِ لما أنّ النهارَ اسمٌ لزمانٍ هو مع الشمسِ (١١)، وأما عكساً ففي الحائضِ، والنفساءِ، فإنّ هذا المجموعَ موجودٌ، والصَّوْم فائَتٌ، ثُمَّ قالَ: أمّا الجوابُ عن الأولِ فإنّ الإمساكَ الشرعيَ موجودٌ حيثُ جعلَ الشرعُ أكله كلها أكل إذ للشارع ولايةُ الإيجادِ، والإعدامِ فإنَّ الصَّوْم حقُّهُ، ولهُ أنْ يُبقَيهُ حُكْماً مع وجُودِ المنافي، ولِأَنَّ المأمورَ بهِ هو الإمساكُ القصدِي، فيكونُ ضِدَّ المنافي لهُ الأكلُ قصداً، وعن الثاني أنَّ المرادَ مِنَ النهار (١٢) اليوم بالحيضِ (١٣) خرجتْ عن أقليةِ الأداءِ شرعاً، وقِيلَ: الصَّوْم هو الإمساكُ عن المفطراتِ لله تعالى بإذنهِ في وقتهِ، وهذا هو المنقولُ عن الإمامِ المحققِ مولانا بدُر الدينِ الورسكي -رحمه الله- (١٤) (١٥)، وهذا أجمعُ، (والطهارةُ عن الحيضِ، والنفاسِ شَرْطُ المرادِ مِنَ الطهارةِ) (١٦) منهما عدمهما إِلاَّ أنْ يكونَ المرادُ منها الاغتسالُ، واللهُ أعلَمُ (١٧).


(١) هو الْمَرْغِينَانِي صاحب الهِدَايَة -رحمه الله-. يُنْظَر الهِدَايَة (١/ ١٢٢).
(٢) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢١).
(٣) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٩).
(٤) بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٨١)، الهِدَايَة (١/ ١٢٢)، الاختيار لتعليل المختار (١/ ١٣٩).
(٥) لا يزال المؤلف ينقل عن شيخه صاحب الهِدَايَة رحمهما الله. يُنْظَر (الهِدَايَة ١/ ١٢٢).
(٦) سورة البقرة الآية (١٨٧).
(٧) يُنْظَر: الكشاف عن حقائق التنزيل (١/ ٢٥٧).
(٨) سقط في (ب).
(٩) هذا التعريف نقله المؤلف عن شيخه رحمهما الله. يُنْظَر الهِدَايَة (١/ ١٢٢).
(١٠) يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٣٣٠).
(١١) يُنْظَر: الْغَايَة شرح الهِدَايَة (٢/ ٣٣٠).
(١٢) النهار: اسم وهو ضد الليل، والنهار اسم لكل يوم، والليل اسم لكل ليلة، لا يقال نهار ونهاران، ولا ليل وليلان، إِنما واحد النهار يوم، وتثنيته يومان، وضد اليوم ليلة، لسان العرب (٥/ ٢٣٦).
(١٣) هكذا هي في (أ) وفي (ب) (إن المراد من النهار إلى الحيض) ولعل ما أثبته هو الصواب لموافقة لسياق الكلام.
(١٤) هو: عمر بن عبد الكريم الورسكي، العلامة بدر الدين الْبُخَارِيُ، تفقه عليه شمس الأئمة الكردري ببخارى. مات ببلخ سنة أربع وتسعين وخمس مائة تفقه على أبي الفضل الكرماني، وحدث عنه بأمالي القاضي أبي بكر مُحَمَّد بن الحسين الأرسابندي.
يُنْظَر: (الجواهر المضية: ١/ ٣٩٢)، و (معجم المؤلفين: ٧/ ٢٩٣).
(١٥) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣١٢).
(١٦) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢٢).
(١٧) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: ٢/ ٣٢٦، الجوهرة النيرة: ١/ ١٣٨.