للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وإذا شهد رجلان على رجل أنّه أعتق أحد عبديه) يعني "كواهي داده اندبرين كه بكي ازدو بنده رآاذا دكروه آست" (١) لا أنّهما إن شهدا على أنّه قال أحدكما حرّ، كذا كان بخطّ شيخي -رحمه الله-.

وأصل هذا أنّ الشّهادة على عتق العبد لا تقبل من غير دعوى عند أبي حنيفة -رحمه الله-، بخلاف الشّهادة على عتق الأمة، فإنّها تُقبل بدون الدّعوى بالإجماع وإنّما اختلف حكمها عند أبي حنيفة -رحمه الله- على هذا الطّريق، بناء على أنّ العتق من حقوق العباد عنده، ومن حقوق الشّرع عندهما (٢)، فما كان من حقوق العباد لا تقبل الشّهادة فيها بدون الدّعوى، وما كان من حقوق الله تعالى تقبل الشّهادة بدون الدعوى.

(وأمّا عتق الأمة فمن حقوق الله تعالى بالاتفاق، فلذلك تقبل الشهادة فيها بدون الدّعوى وذلك لأنّ عتق الأمة يتضمن تحريم فرجها على مولاها، وذلك من حَقِّ الشّرعِ، وفيما هو حَقُّ الله تعالى الشّهادةُ تُقبلُ حِسبَةً من غيرِ دعوَى، كما في الشّهادة برؤية هلال رمضان وحَدِّ الزّنا (٣) والشّرب والطّلاق، فإن قيل: فعلى هذا ينبغي أن يكتفى بشهادة الواحد؛ لأنّه أمر ديني وخبر الواحد فيه حجّة تامة. قلنا: خبر الواحد إنّما يكون حجّة في الأمر الديني، إذا لم تقع الحاجة إلى إلزام المنكر، وهنا الحاجةُ مَاسَّةٌ إلى ذلك؛ ولأن في هذا إزالة الملك والماليّة عن المولى وخبر الواحد لا يكفي لذلك فلهذا قلنا لابدّ من أن يشهد رجلان.

فإن قيل: فإذا كانت هي أخته من الرضاعة (٤) قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ على عِتْقِهَا مع جُحُودِهَا، وليس فيه تحريم الفرج (٥) ههنا؛ لأنّ تحريم الفرج ههنا ثبت بحكم الرضاع قبل شهادتهما بالإعتاق.

قلنا: بل فيه معنى الزّنا لأنّ فعل (٦) المولى بها قبل العتق لا يَلزَمُهُ الحَدُّ (٧) وبَعد العِتق يَلزَمُهُ الحَدُّ وبضعها (٨) مملوك للمولى، وإن كان هو مَمنُوعًا عن وطئِهَا بالمَحرَمِيَّةِ.


(١) باللغة الفارسية.
(٢) أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله-.
(٣) الزنا هو: وطءٌ في قُبُلٍ خالٍ عن مِلكٍ وشبهتِهِ.
انظر: البحر الرائق (٥/ ٣)، تبيين الحقائق (٣/ ١٦٣).
(٤) الرَّضاعُة: هي مَصُّ الرَّضيعِ من ثدي الآدميَّةِ في وقتٍ مخصوصٍ.
انظر: تبيين الحقائق (٢/ ١٨١)، البحر الرائق (٢/ ٢٣٨).
(٥) الفَرْجُ: اسْمٌ لِجَمْعِ سَوآت الرِّجالِ والنِّساء والفتيان وما حَوالَيْها، كُلُّهُ فَرْج وهي العورة.
انظر: لسان العرب (٢/ ٣٤٢)، (فرج).
(٦) " فعل " في (ب) جعل، والصواب ما في (أ).
(٧) الحدُّ في اللغة: المنعُ، وجمعهُ: حدودٌ. انظر: لسان العرب (٣/ ١٧٢ - ١٧٣)، (حدد).
وعند الفقهاء: عقوبةٌ مُقدَّرَةٌ وجَبَت حقَّاً للهِ تعالى. انظر: بدائع الصنائع (٧/ ٣٣)، الاختيار لتعليل المختار (٤/ ٨٣).
(٨) " وبضعها " هكذا في (ب) وفي (أ) نصفها، والصواب ما في (ب).