للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألا ترى أنّه يُزَوِّجُهَا؟ وأنَّ بَدل بضعِهَا يَكُونُ لهُ؟ فيزولُ ذلك الملك بإعتاقها؟ ولأنّ الأمة في إنكار العتق مُتَّهَمَةٌ لما لها من الحَظِّ في الصّحبة مع مولاها، ولا معتبر في إنكار من هو متّهم في إنكاره فَجَعلنَاها كالمُدّعية لِهذا.

[٤٠٩/ أ] وأمّا الشّهادة على عتق العبد فلا تقبل/ مع جحود العبد في قول أبي حنيفة -رحمه الله- وتُقبل في قول أبي يوسف ومحمّد -رحمهما الله-، وجه قولهما أنّ المشهود به حق الشّرع وعدم الدّعوى لا يمنعُ قبول الشّهادة عليه كعتق الأمة وطلاق الزوجة، وبيان ذلك أنّ المشهود به العتق وهو حقّ الشّرع، ألا ترى أنّه لا يحتاج فيه إلى قبول العبد، ولا يَرتَدُّ بِرَدِّهِ أنّه يجوز أن يحلف به، وإنّما يحلف بما هو حقّ الشّرع، وأن إيجابه في المجهول صحيح، ولا يصحّ إيجاب الحق للمجهول ويتعلّق به حُرمةُ اسْتِرْقَاقِهِ، وذلك حقّ الشّرع قال النبي -عليه السلام-: «ثلاثة أنا خصمهم» (١) وذكر من جملتهم «من استرق الحرّ» ويتعلّق به حكم تكميل الحدود ووجوب الجُمُعَةَ، والأهليّة للولايات، والاسترقاق على أهل الحرب عقوبة بطريق المجازاة لهم حين أنكروا وحدانية الله تعالى، فجازاهم على ذلك بأن صيّرهم عَبِيدَ عَبِيدِه، فإزالته بعد الإسلام يكون حقًا للشّرع، ولهذا كان قُربةً تَتَأدّى به بعض الواجبات، والدّليل عليه أيضًا هو: أن التّناقض لا يمنع دعوى الحريّة، حتّى لو أقرّ بالرّق ثمّ ادّعى حريّة الأصل وأقام البيّنة (٢) قبلت بيّنته، مع أنّ التّناقضَ يُعدِمُ الدّعوى.


(١) عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: " قَالَ اللهُ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ " أخرجه البخاري: (٣/ ٨٣) في كتاب البيوع، رقم (٣٤) باب إثم من باع حراً، رقم الحديث (٢٢٢٧).
(٢) البَيِّنةُ في اللغة: قال ابن فارس: الباء والياء والنون أصلٌ واحد وهو بُعدُ الشيء، وانكشافُهُ. والبَينُ والفِراقُ، والبَيَانُ، الإفصاح مع ذكاء.
انظر: معجم مقاييس اللغة (١/ ٣٢٧ - ٣٢٨)، تاج العروس (١٨/ ٨٢) كلاهما (بين).
والبَيّنةُ وفي عرف الفقهاء: اختلف الفقهاء في تعريفها إلى قولين: الأول: إن البينة هي الشهادة، وهذا مذهب الجمهور.
الثاني: إن البينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وابن فرحون وغيرهم وهذا هو القول الراجح.
انظر: المبسوط للسرخسي (١٦/ ٩٩)، تبصرة الحكام (١/ ١٧٢)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشربيني الشافعي (٤/ ٤٦١)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ان تيمية (٣٥/ ٣٩٤ - ٣٩٥).