أخرجه أحمد في "الزهد" (ص ٢٠٥) من طريق عبد الرحمن به قال ابن عطية: بكاء عائشة رضي الله عنها كان بسبب سفرها أيام الجمل، وحينئذ قال لها عمار: إن الله أمرك أن تقري في بيتك. "المحرر الوجيز" ٤/ ٣٨٣ قال ابن العربي رحمه الله: تعلق الرافضة لعنهم الله بهذِه الآية على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذ قالوا: إنها خالفت أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- وخرجت تقود الجيوش، وتباشر الحروب، وتقتحم مآزق الحرب والضرب، فيما لم يفرض عليها، ولا يجوز لها. ولقد حصر عثمان، فلما رأت ذلك أمرت برواحلها فقربت، لتخرج إلى مكة، فقال لها مروان بن الحكم: يا أم المؤمنين؛ أقيمي هاهنا، وردي هؤلاء الرعاع عن عثمان؛ فإن الإصلاح بين الناس خير من حجك. قال علماؤنا رحمة الله عليهم: إن عائشة كانت نذرت الحج قبل الفتنة، فلم تر التخلف عن نذرها، ولو خرجت عن تلك الثائرة لكان ذلك صوابا لها. وأما خروجها إلى حرب الجمل فما خرجت لحرب، ولكن تعلق الناس بها، وشكوا إليها ما صاروا إليه من عظيم الفتنة، وتهارج الناس، ورجوا بركتها في الإصلاح، وطمعوا في الاستحياء منها إذا وقفت إلى الخلق وظنت هي ذلك، فخرجت مقتدية بالله في قوله: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}. وبقوله: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}. والأمر بالإصلاح مخاطب به جميع الناس من ذكر أو أنثى، حر أو عبد، فلم يرد الله بسابق قضائه ونافذ حكمه أن يقع إصلاح، ولكن جرت مطاعنات وجراحات، حتَّى كاد يفنى الفريقان، فعمد بعضهم إلى الجمل فعرقبه، فلما سقط الجمل لجنبه أدرك محمد بن أبي بكر عائشة، فاحتملها إلى البصرة، وخرجت في ثلاثين امرأة قرنهن على بها، حتَّى أوصلوها إلى المدينة برة تقية مجتهدة مصيبة ثابتة فيما تأولت، مأجورة فيما تأولت وفعلت؛ إذ كل مجتهد في الأحكام مصيب. وقد بينا في كتب الأصول تصويب الصحابة في الحروب، وحمل أفعالهم على أجمل تأويل. "أحكام القرآن" ٣/ ٥٦٩ - ٥٧٠