للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن الله تعالى قال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} أي: ما دون الشرك، ففرق بين الشرك وسائره (١)، وحتم على نفسه أن لا يغفر الشرك، فلو كانت الكبيرة كفرًا، لكان قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} مستوعبًا، فلما فرق بين الشرك وسائر الذنوب بأن فساد قولهم.

وقد بين الله تعالى في آخر القصة ماهية الشرك، وهو قوله تعالى:

١١٧ - {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (١١٧)}

وقد علم أن صاحب الكبيرة غير مستحل لها، فلم يجز أن يكون حكمه حكم الكافر، وفيه دليل على فساد قول المعتزلة في المنزلة بين المنزلتين (٢)، إذ الله تعالى لم يجعل بين الشرك والإيمان منزلة، ولم يجعل الذنوب ضد الإيمان (٣)، فكان فيه فساد قول من جعل الكبيرة ضدًا للإيمان، وفيه دليل على فساد قول المرجئة، حين قالوا: إن المؤمن لا يعذب، كان كان مرتكبًا للذنوب، لأن الله تعالى أخرج الشرك من المشيئة، وجعل الحكم فيه حتمًا، فلو لم


(١) في (م): غيره.
(٢) وهي من الأصول الخمسة لمذهبهم، مفادها أن مرتكب الكبيرة في الدنيا في منزلة بين الإيمان والكفر، فلا يقال هو مؤمن، ولا هو كافر، بل في منزلة بينهما، أما في الآخرة فهو في النار خالدًا مخلدًا.
(٣) هذه العبارة من المصنف توهم أن مطلق الذنوب لا تؤثر في الإيمان، والأمر ليس كذلك، لكني أحمل عبارته -رحمه الله- على محمل حسن، وهو: أنه يريد أن الذنوب -عدا الكفر- ليست ضدَّا للإيمان، من حيث أصله، فمرتكب الذنب لا نحكم بكفره، ولا أنه نقض أصل إيمانه، إلا إذا كان مستحلًا. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>