وقال القرطبي: هذِه الآية نزلت بمكة في وقت الأمر بمهادنة قريش وأمره أن يدعو إلى دين الله وشرعه بتلطف ولين دون مخاشنة وتعنيف، وهكذا ينبغي أن يوعظ المسلمون إلى يوم القيامة فهي محكمة في جهة العصاة من الموحدين، ومنسوخة بالقتال في حق الكافرين، وقد قيل: إن من أمكنت معه هذِه الأحوال من الكفار ورجي إيمانه بها دون قتال فهي فيه محكمة، والله أعلم. "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٢٠٠. وذكر أبو الطيب القنوجي: أن الناس خلقوا وجبلوا على ثلاثة أقسام: الأول: هم العلماء وهم المشار إليهم بقوله {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ}. الثاني: هم أصحاب النظر السليم والخلقة الأصلية، وهم غالب الناس وهم المشار إليهم بقوله {وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}. والثالث: هم أصحاب جدال وخصام ومعاندة -ودعاة الباطل- وهم المشار إليهم بقوله {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ... قال بعضهم: لا حاجة إلى دعوى النسخ؛ إذ الأمر بالمجادلة ليس فيه تعريض للنهي عن المقاتلة. "فتح البيان" ٧/ ٣٤٠. وأقول قد استمر أمر الدعوة والتبليغ في السورة المدنية حتى سورة المائدة ففي سورة الحج قوله تعالى: {فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ} [٦٧]. وفي سورة المائدة قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [٦٧]. (١) أسند الطبري نحو هذا إلى عطاء بن يسار في "جامع البيان" ١٤/ ١٩٥.