للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

١٣ - قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} وهي أنطاكية (١).


= الضلالة. وعن سعيد بن جبير في قوله تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} يعني ما أثروا، يقول: ما سنوا من سنة فعمل بها قوم من بعد موتهم، فإن كانت خيراً فلهم مثل أجورهم لا ينقص من أجر من عمل به شيئًا، وإن كانت شراً فعليهم مثل أوزارهم ولا ينقص من أوزار من عمل بها شيئًا، ذكرهما ابن أبي حاتم، وهذا القول هو اختيار البغوي.
قلت: ويجدر بنا هنا أن نقول: إن كان الأمر كذلك، فإن المعاصي التي يخلفها أهل الإعلام بعد موتهم هي كذلك من آثارهم التي يحاسبهم الله تعالى عليها، وتوضع في موازينهم، فعليهم وزرها ووزر من سمعها وفتن بها، إن ماتوا على حالهم ولم يتوبوا إلى الله تعالى، نسأل الله العافية.
(١) واعترض ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" ١١/ ٣٥٧ - ٣٥٨ على أنها أنطاكية، وقال إن في هذا نظر، لأن أن أهل أنطاكية آمنوا برسل المسيح إليهم، وكانوا أول مدينة آمنت بالمسيح، ولهذا كانت عند النصارى إحدى المدائن الأربعة اللاتي فيهن بطارقة، كما ذكره غير واحد ممن ذكر تواريخهم، كسعيد بن بطريق وغيره من أهل الكتاب والمسلمين، فإذا تقرر أن أنطاكية أول مدينة آمنت، فأهل هذِه القرية ذكر الله تعالى أنهم كذبوا رسله وأنه أهلكهم بصيحة واحدة أخمدتهم، والله أعلم. ثم إن قصة أنطاكية مع الحواريين أصحاب المسيح بعد نزول التوراة، وقد ذكر أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - وغير واحد من السلف أن الله تبارك وتعالى بعد إنزاله التوراة لم يهلك أمة من الأمم عن آخرهم بعذاب يبعثه عليهم، بل أمر المؤمنين بعد ذلك بقتال المشركين، ذكروه عند قوله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى} فعلى هذا يتعين أن هذِه القرية المذكورة في القرآن قرية أخرى غير أنطاكية، كما أطلق ذلك غير واحد من السلف أيضًا. أو تكون أنطاكية إن كان لفظها محفوظًا في هذِه القصة مدينة أخرى غير هذِه المشهورة المعروفة، فإن هذِه لم يعرف أنها أهلكت لا في الملة النصرانية ولا قبل ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>