إنَّ هذا العلم ميراث النبوة، يأخذه كل جيل عمن سبقه، ويسلمه لمن بعده.
ولا تظهر مكانة الشيخ ومعرفة قدره وفضله بشكل جلي، إلا بالوقوف على آثاره في تلامذته، فإنَّ التلميذ أثر من آثار شيخه، وثمرة من ثماره، يشيع به ذكره، وينتشر علمه.
وكبار الأئمة السالفين، ما كنا نعرف عنهم شيئًا لولا تلامذتهم الذين نشروا علمهم في كل مكان، وحملوا للناس في شتى البقاع آثارهم، وكم من الأئمة الذين اندثر ذكرهم، واضمحل أثرهم، وتلاشى صيتهم، بعد أن امتلأت الدنيا بسمعتهم في أثناء حياتهم. وما ذاك إلا لأنهم لم يُمنحوا تلامذة يحيون ذكرهم، ويحملون عنهم علمهم.
وأبو إسحاق الثعلبي كان مقصد طلاب العلم في وقته، إذ كان يفد إليه الطلاب من كل حدب وصوب.
حتى إنَّ أبا الفضل العروضي شيخ أبي الحسن الواحدي تلميذ الثعلبي، عاتب تلميذه الواحدي لما تأخر في طلب العلم عن الثعلبي (١). وقال له: أما آن لك أن تتفرغ لتفسير كتاب الله العزيز،
(١) كان سبب تأخر الواحدي أنه أراد أن يُلم بالأدب أولًا، ليتدرج به إلى التفسير. كما نصَّ هو على ذلك عندما قال في جوابه لشيخه: إنما أتدرج بهذا إلى ذلك الذي تريد، وإذا لم أحكم الأدب، بجدٍّ وتعب، لم أرْمِ في غرَض التفسير من كثَب. "مقدمة البسيط" للواحدي ١/ ٤١٩.