الحمدُ لله الذي شَرَحَ بكتابِهِ الصدور، وأخرجَ بنورِ هدايته عباده من الظلماتِ إلى النّور، فأنار بتلاوته بصائرهم، وهدى بشرعه حائرهم، وكتب الفوز والنجاة لمن صلحت بهدايته سرائرهم، وجعله لعباده فرقاناً بين الحق والباطل، فمَنْ أقامَ أحكامَهُ واتخذه إمامَهُ صلحت له دُنياه وآخرته، ومن تنكبه وجعله خَلْفَ ظهره خاب وخسر وضل سعيه، إذ القرآن حجة الله البالغة، ومعجزته الخالدة، تحدى الله به الفصحاء فألجموا، واسمعه البلغاء فأفحموا، شهد له أعداء المُنزل عليه بالحلاوة، ولروعة بيانه بالطلاوة، ومباينته للسحر والرجز والكهانة، لا تنقضي عجائبه، فهو للقلوب شفاء، وللأبصار ضياء، وللظمآن رواء، ولا يعكره ورْد الواردين، ولا يخلق على كثرة الرد. والصلاة والسلام الأتمَّان الأكملان على رسول الله وخيرة خلق الله محمد البشير النذير، والسراج المنير، من أرسله ربه رحمة للعالمين، وحجة على السالكين، وأيده بالذكر الحكيم، فبينه أكمل بيان، انقياداً لأمر ربه له بقوله:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل: ٤٤]، فنقل عنه أصحابه ذلك البيان، وتناقله وُعاة العلم جيلاً إثر جيل، وطبقة بعد طبقة، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء،