والقول بأن هذِه الآية منسوخة قول غير صحيح بل الآية محكمة، ولكن تنزل كل آية على الحال التي تناسبه فالأمر بالعفو والصبر حال الضعف والأمر بالقتال حال القوة، أو يكون العفو والصبر مأمورًا به لمصلحة ما لم تضر بالدين أو تؤدي إلى إبطال حق أو إثبات باطل فلا تعارض بينهما حتى صار للنسخ؛ ولأن النسخ إنما يكون لشيء قاطع فإذا أمكن العمل بالآيتين فلا معنى للقول بالنسخ. وأما ما ورد عن ابن عباس - رضي الله عنه - بأنها منسوخة فلا يصح الاستدلال به؛ لأن مفهوم النسخ عند السلف المتقدمين أشمل وأوسع من مدلوله عند المتأخرين فهم يطلقون النسخ على الاستثناء وتخصيص النص العام وتعيين المجمل وتقييد المطلق وأيضًا رفع حكم شرعي ثابت بالدليل بحكم شرعي آخر ثبت بدليل متراخ عنه يطلقون على ذلك كله نسخًا. وبهذا الإيضاح يعلم ضعف ما لهج به كثير من المفسرين وغيرهم من دعاوى النسخ حتى قال بعضهم "الناسخ والمنسوخ" لابن العربي ٢/ ٣٠٨ إن آية القتال ناسخة لمائة وأربع وعشرين آية، مع أن السيوطي قد ذكر. "الإتقان" للسيوطي ٤/ ١٤٤٧ - ١٤٤٨ أن المنسوخ من القرآن بالقران عشرون آية ونظمها في أبيات له. انظر: "نواسخ القرآن" لابن الجوزي (١٢٣، ٤٠٢)، "البرهان" للزركشي ٢/ ٤٢، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١٦/ ٢٢٨، "الإتقان" للسيوطي ٤/ ١٤٣٥، "قواعد في التفسير" ٢/ ٧٤٠، "قواعد الترجيح" للحربي ١/ ٨٢.