يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (٢٢)}، فقد اشتملت هذِه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام، وتعليم ما ينبغي في مثل هذا، فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال، ضعف القولين الأولين، وسكت عن الثالث فدل على صحته، إذ لو كان باطلًا لرده كما ردهما، ثم أرشد إلى أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا:{قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ} فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه الله تعالى عليه، فلهذا قال:{فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا} أي لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك، فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب.
تسرُّب الإسرائيليات إلى كتب التفسير:
لقد تسربت الإسرائيليات إلى معظم كتب التفسير إن لم يكن إلى جميعها وسبب ذلك والله أعلم أن القرآن الكريم كان يقصد في إيراد القصص إلى موضع العبرة والموعظة، ولم يكن غرضه الأصلي إيراد أو سرد الوقائع التاريخية لمجرد الإخبار كما هو الشأن في كتب التاريخ التي غالبًا ما تهتم بالجزئيات وتتوسَّع في التفصيلات.
ولما كانت النفس البشرية تتشوق دائمًا إلى معرفة المجهول، فقد كان العرب في أول الإسلام -كما كانوا قبل الإسلام- يسألون أهل الكتاب، وخاصّة بعد أن أسلم طائفة منهم، كعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه.