اختلفوا في معنى هذِه الآية فقال محمد بن إسحاق بن يسار: هذِه حكاية عن المشركين، أنهم قالوها وهي متصلة بالآية الأُولى، وذلك أن المشركين كانوا يقولون: والله إنَّ الله لا يعذبنا ونحن نستغفر، ولا يعذب أُمة ونبيّها معها، وذلك من قولهم، ورسول الله بين أظهرهم، فقال الله تعالى لنبيّه - صلى الله عليه وسلم - يذكر له جَهالتهم وغِرَّتهم واستفتاحهم على أنفسهم:{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} الآية. وقالوا:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}. {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}. ثمّ قال ردّا عليهم:
٣٤ - {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ}
وإن كنت بين أظهرهم، وإن كانوا يستغفرون. {وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}(١).
وقال الآخرون: هذا كلام مستأنف، وهو قوله سبحانه تعالى حكاية عن نفسه عز وجل، ثمّ اختلفوا في وجهها وتأويلها: فقال ابن أَبْزى وأبو مالك والضحاك: تأويلها: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم مقيم بين أظهرهم. قالوا: ونزلت هذِه الآية على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -وهو مقيم بمكّة، ثمّ خرج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من بين أظهرهم. وبقيت بها بقية من المسلمين يستغفرون. ثم نزلت بعد خروجه عليه حين استغفر أُولئك
(١) أخرجه الطبري في "جامع البيان" ٩/ ٢٣٥ - ٢٣٦ عنه، وفيه اختلاف في الألفاظ.