القرآن الكريم نزل هدايةً للناس، وتشريعًا لهم، وتضمَّن بين دفتيه ما يحتاج إليه الناس في شؤون دينهم ودنياهم، ومن ذلك الأحكام الشرعية، وبيان الحلال والحرام من خلال آيات الأحكام التي ذكر العلماء، أنها قرابة خمس مئة آية تتعلّق بأحكام المكلَّفين (١).
وكلُّ من رام تفسير كتاب الله لا بد أن يتطرق للأحكام الفقهيَّة من خلال تفسيره لآيات الأحكام، ولكنَّ المفسرين منهم من يتوسَّع في ذلك، ومنهم من يقتضب، حسب اهتمامه ومنهجه في تفسيره، وحسب شخصيته الفقهية، ورسوخ قدمه في هذا العلم.
وأبو إسحاق الثعلبي رحمه الله عندما ألَّف تفسيره "الكشف والبيان" أراد منه أن يكون شاملًا لكل ما يتعلق بتفسير الآية، ولم يقتصر في "تفسيره" على جانب دون جانب، كما أنه لم يتوسَّع في جانب، ويقتضب في جانب آخر، ولذلك بني كتابه على أربعة عشر ركنًا، منها "الأحكام والفقهيّات" كما ذكر ذلك في مقدمته.
وعند تفسير آيات الأحكام من "الكشف والبيان" نجد الثعلبي يتحوَّل إلى ذلك الفقيه الذي أحاط بمذاهب العلماء، وأقوال
(١) انظر: "المستصفى" للغزالي (ص ٤٧٩)، "روضة الناظر" لابن قدامة (ص ٣١٩)، "التسهيل" لابن جُزي (ص ٧١١). وقد ألف العلماء مصنفاتٍ مستقلة في تفسير آيات الأحكام: مثل أحكام القرآن لابن العربي، وللجصاص، وللكيالهراس، وكلها مطبوعة.