وقد كان عندهم شيء من العلم، لكنهم لطول العهد بينهم وبين أنبيائهم ولتحريف من حرّف من أحبارهم السابقين، فقد اختلط الحق الذي لديهم بالباطل، وأصبحوا يجيبون من يسألهم فيصيبون أحيانًا ويخطئون أحيانًا أخرى حسب اجتهادهم وما توصلوا إليه، وكل ذلك مما لا يتعلق بالأمور الجوهرية في العقيدة، ولا يرجع إلى الأحكام وبيان الحلال والحرام. وتناقل الناس أقوالهم، وتساهل المفسرون فملؤوا كتبهم بتفسيرات أهل الكتاب بنسب متفاوتة، وأخذ القصص الصحيح منه، وغير الصحيح، يجد طريقه إلى أمهات كتب التفسير، كتفسير الطبري والثعلبي والواحدي والبغوي والخازن. حتى المفسرين الذين تنبهوا إلى ذلك وحاولوا التخلص من الإسرائيليات كابن عطية والقرطبي والرازي وابن كثير وأبي حيان ومن نحا نحوهم جميعًا لم يسلموا من هذِه الإسرائيليات (١).
[موقف الثعلبي من الإسرائيليات]
لم تخلُ كتب التفسير عمومًا من ذكر الإسرائيليات والاستشهاد بها في التفسير كما سبق، وإن كان هؤلاء المفسرون منهم المقل في ذكر هذِه الإسرائيليات ومنهم المكثر في ذلك.
وقد كان الثعلبي من الذين أكثروا من هذِه الإسرائيليات وتوسعوا
(١) انظر: "مقدمة ابن خلدون" (ص ٤٣٩)، و"الإسرائيليات في التفسير والحديث" (ص ١٥)، و"الثعلبي ودراسة كتابه الكشف والبيان" ٢/ ٤٦٧، و"ابن جُزَي ومنهجه في التفسير" ١/ ٤٦٧.