النحاس: وأولى ما قيل في هذِه الآية وأجل ما روي فيها: أن الحسن قال مثلًا بمثل. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حوسب هلك" فقلت: يَا نبي الله، فأين قوله جل وعز: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (٨)} [الانشقاق: ٨]؟ قال: "إنما ذلك العرض ومن نوقش الحساب هلك". وهذا إسناد صحيح، وشرحه: أن الكافر يكافأ على أعماله ويحاسب عليها ويحبط ما عمل من خير؛ ويبين هذا قوله تعالى في الأول: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا} وفي الثاني: {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} (معنى) (يجازى): يكافأ بكل عمل عمله، ومعنى {جَزَيْنَاهُمْ}. وفيناهم؛ فهذا حقيقة اللغة، وإن كان (جازى) يقع بمعنى (جزى). مجازًا. قال الطبري في "جامع البيان" ٢٢/ ٨٢ - ٨٣.: فإن قال قائل: أَوَ ما يجزي الله أهل الإيمان به على أعمالهم الصالحة، فيخص أهل الكفر بالجزاء؟ فيقال {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُور}؟ قيل: إن المجازاة في هذا الموضع: المكافأة، والله تعالى ذكره وعد أهل الإيمان به التفضل عليهم، وأن يجعل لهم بالواحدة من أعمالهم الصالحة عشر أمثالها إِلَى ما لا نهاية له من التضعيف، ووعد المسيء من عباده أن يجعل بالواحدة من سيئاته، مثلها مكافأة له على جرمه، والمكافأة لأهل الكبائر والكفر، والجزاء لأهل الإيمان مع التفضل، فلذلك قال جل ثناؤه في هذا الموضع: {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُور}؟ كأنه قال جل ثناؤه: لا يجازى: لا يكافأ على عمله إلَّا الكفور، إذا كانت المكافأة مثل المكافأ عليه، والله لا يغفر له من ذنوبه شيئًا، ولا يُمَحّصُ شيء منها في الدنيا. وأما المؤمن فإنَّه يتفضل عليه على ما وصفتُ. انظر "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١٤/ ٢٨٨ - ٢٨٩.