فائدة: مسألة تعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - للشعر فيها تفصيل، فقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - قال يوم حنين وهو راكب البغلة يقدم بها في نحور العدو: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب"، لكن قالوا هذا وقع اتفاقًا من غير قصد لوزن شعر، بل جرى على اللسان من غير قصد إليه، قال الأخفش: إن هذا ليس بشعر، وروى ابن المظفر عن الخليل في كتاب "العين": إن ما جاء من السجع على جزأين لا يكون شعرا، وروى غيره عنه أنه من منهوك الرجز. وكذلك ما ثبت في الصحيحين عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه -، قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غار، فنكبت أصبعه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "هل أنت إلَّا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت"، قال ابن العربي: إنما يكون هذا شعرا موزونا إذا كُسرت التاء من (دَمِيَتْ وَلَقِيت) فإن سكنت لم يكن شعرا بحال، لأن هاتين الكلمتين على هذِه الصفة تكون فعول، ولا مدخل لفعول في بحر السريع، ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - قالها ساكنة التاء، أو متحركة التاء من غير إشباع. وقد روى ابن القاسم عن مالك أنه سُئل عن إنشاد الشعر فقال: لا تُكثر منه، فمن عيبه أن الله تعالى يقول: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ}، وروي أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري أن أجمع الشعراء قبلك واسألهم عن الشعر، وهل بقي معهم معرفة به، وأحضر لبيدا ذلك. قال: فجمعهم وسألهم فقالوا: إنا لنعرفه ونقوله. وسأل لبيدا فقال: ما قلت شعرا منذ سمعت الله يقول: {الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ}. قال ابن العربي: هذِه الآية ليست من عيب الشعر، كما لم يكن قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} من عيب الخط. فلما لم تكن الأمية من عيب الخط كذلك لا يكون نفي النظم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من عيب الشعر. وكل هذا لا ينافي كونه - صلى الله عليه وسلم - ما علم شعرًا وما ينبغي له، فإن الله تعالى =