للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أُردُّ إلى المشركين، وقد جئت مسلمًا ليفتنوني عن ديني؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عُذِّب عذابًا شديدًا في الله تعالى، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا جندل احتسب، فإنّ الله عز وجل جاعل لك، ولمن معك من المستضعفين فرجًا، ومخرجًا، إنّا قد عقدنا بيننا، وبين القوم عقدًا، وصُلحًا، وأعطيناهم على ذلك عهدًا، وأعطونا عهدًا، وإنّا لا نغدر".

قال: فوثب عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - إلى أبي جندل يمشي إلى جنبه ويقول: اصبر يا أبا جندل، فإنّما هم المشركون، وإنّما دم أحدهم دم كلب، ويدني قائم السيف منه، قال: يقول عمر - رضي الله عنه -: رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه، فضَنّ (١) الرجل بأبيه.

قالوا: وقد كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرجوا، وهم لا يشكّون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلمّا رأوا ذلك، دخل الناسَ أمرٌ عظيم حتى كادوا يهلكون، وزادهم أمر أبي جندل - رضي الله عنه - شرّا إلى ما بهم.

وقال عمر - رضي الله عنه -: والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ، فأتيت النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: ألست رسول الله؟ قال: "بلى"، قلت: ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟ قال: "بلى"، قلت: فَلِمَ نُعطِي


(١) ضَنَّ: الضاد والنون أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على بُخْلٍ بالشيء. يقال: ضَنِنْتُ بالشّيءِ أَضَنُّ به ضَنًّا وضَنانةً، ورجلٌ ضَنين. "معجم مقاييس اللغة" ٣/ ٢٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>