ذلك أن الأشاعرة تصوروا -خطأ- أن النصوص التي نطقت بأن الله في السماء تدل بظاهرها على أنه تعالى مظروف في جوف السماء فشبهوه بمخلوق داخل مخلوق آخر. فأرادوا أن يفروا من هذا التشبيه الذي وقعوا فيه لسوء فهمهم فوقعوا في التعطيل، فأمرهم دائر بين التشبيه والتعطيل. ولو وقفوا حيث وقف السلف فسلموا لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، لما وقعوا فيما وقعوا فيه من الاضطراب. والحاصل: أن المؤلف عفا الله عنه وافق الأشاعرة في نفي هذِه الصفة فأثبت جزءا من معناها، ولكنه خير من متأخريهم وغلاتهم الذين وافقوا المعتزلة والجهمية بقولهم: إن الله تعالى في كل مكان، وهو خير من صنف آخر منهم قالوا: إن الله ليس فوق العرش، ولا تحته، ولا يمينه، ولا شماله فوصفوه بالعدم المحض. والحق الذي دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة والعقل والفطرة وإجماع الأمة أن الله تعالى فوق سماواته على عرشه، بائن من خلقه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية. فهذا كتاب الله من أوله إلى آخره، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - من أولها إلى آخرها، ثم عامة كلام الصحابة والتابعين، ثم كلام سائر الأئمة، مملوء بما هو نص وإما ظاهر على أن الله -عز وجل- هو العلي الأعلى، هو فوق كل شيء، وهو على كل شيء، وأنه فوق العرش، وأنه فوق السماء. ا. هـ. وقد ذكر ابن القيم في "الصواعق المرسلة" ١/ ٢٩٣ - ٢٩٤، وابن أبي العز في "شرح الطحاوية" (ص ١٥٩) أن أدلة العلو لو بسطت لبلغت نحو ألف دليل، فعلى المتأول أن يجيب عن ذلك كله، وهيهات له بجواب صحيح عن بعض ذلك كما قاله شارح الطحاوية. والمسألة مبسوطة في كتب العقائد ولعل فيما ذكر كفاية. انظر: "الإبانة" لأبي الحسن الأشعري (ص ٨٥)، "مجموع الفتاوى" لابن تيمية =