للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك (١).

وتعلق أهل القدر بهذه الآية، قالوا: نفى الله تعالى السيئة عن نفسه، بقوله {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} ونسبها إلى العبد.

فيقال لهم: إنما حكى الله لنبيه من قول المنافقين: أنهم قالوا إذا أصابتهم حسنة: هذه من عند الله، وإن تصبهم سيئة يقولوا: هذه من عندك، لم يرد به حسنات الكسب، ولا سيئاته، لأن الذي مسَّك فعلُ غيرك بك، لا فعلك، ولذلك نسبت إلى غيرك، كما قال: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} (٢)، وقال: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} (٣) وكل هذه السيئات من الأسباب، لا من الأكتساب، ألا ترى أنه نسبها إلى غيرك، ولم يذكر لك بذلك ثوابًا ولا عقابًا؛ فلما ذكر حسنات العمل والكسب وسيئاتهما نسبهما إليك، وذكر فيهما الثواب والعقاب، كقوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} (٤) فكان ما حكى الله تعالى عن المنافقين من قولهم في الحسنات والسيئات، لم تكن حسنات الكسب ولا سيئاته، ثم عطف عليه قوله: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} فلم يكن بقوله: {فَمِنْ نَفْسِكَ} مثبتًا لما


(١) هذا معنى كلام السمرقندي في "بحر العلوم" ١/ ٣٧٠.
(٢) آل عمران: ١٢٠.
(٣) الأعراف: ١٣١.
(٤) الأنعام: ١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>