للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى} (١)، وقوله: {إِنْ هَاذَنِ لَسَاحِرَانِ} (٢)


= وهذا دليل على أن العمدة عندهم هو التلقي، والرواية.
وأما رواية عائشة فالجواب عنها أن يقال:
إما أن يكون الخطأ من بعض رواة الأثر، أو يكون اجتهادًا من عائشة رضي الله عنها، حيث خطأت الكاتب، وعدت كتابته للآية خطأ، وهو اجتهاد بشري، يعتريه ما يعتري البشر، وليس الأمر كما ذهبت إليه أم المؤمنين رضي الله عنها، لأن هذه الحروف، التي ذكرت أن الكاتب أخطأ فيها، صحيحة اللغة، متواترة بسند إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس هناك ما يدعو إلى الحكم على الكتاب بأنهم أخطأوا، خاصة إذا علمنا أن الكتاب هم من خيرة الصحابة وفضلائهم، وقد كتبوا المصحف بمحضر وإجماع من الصحابة الكرام، فلا مجال أبدًا للخطأ أن يتسرب إليهم في كتابتهم للقرآن، ثم لو قبلنا هذا الأمر، وقلنا أنَّه خطأ من الكاتب لفتح الباب على مصراعيه للطاعنين في كتاب الله، وما أكثرهم على مر العصور الذين ما فتئوا يحرصون على كل ما من شأنه الطعن في دين الله وكتابه، صغر أم كبر، مما يسهل على الحاقدين أن يطعنوا في سلف الأمة، وأئمتها، من الصحابة الكرام ومن بعدهم، ويتهموهم بالإهمال، والخيانة، والتفريط في أعظم كتاب، أنزل على أعظم نبي - صلى الله عليه وسلم -.
فالواجب أن تطوى هذه الآثار، ولا تروى، وإن ثبت إسنادها، لأن فيها مداخل شر كبرى على المسلمين، ولو تناقلها الناس فسيفرح بها الأعداء، وقد تثير الشكوك عند كثير من ضعفاء العقول، والإيمان، والحكمة أن يحدث الناس بما يعرفون، حتَّى لا يكذب الله ورسوله.
وانظر ما كتبه الطبري ٦/ ٢٦ - ٢٧ ردًّا على هذه الرواية، والداني في "المقنع" (ص ١١٨ - ١١٩)، وابن قتيبة في "تأويل مشكل القرآن" (ص ٥٠، ٥٣)، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ٦/ ١٥، وابن تيمية في "مجموع الفتاوى" ١٥/ ١٥٣، والسيوطي في "الإتقان" ٤/ ١٢٣٥ وما بعدها، وانظر: تعليق محقق "سنن سعيد ابن منصور" ٤/ ١٥١٠ - ١٥١٤، فقد أجاد وأفاد.
(١) المائدة: ٦٩.
(٢) طه: ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>