للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأكملهم أدبًا، وأجمعهم للخصال التي يتوسل بها إلى الملوك، وكان الرشيد مولعًا بأن يسلم، وهو يمتنع، وكان الرشيد يمنيه الأماني، فيأبى، فقال له ذات يوم: مالك لا تؤمن؟ قال: لأنَّ في كتابكم حجة على ما أنتحله. قال: وما هو؟ قال: قوله: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} أفغير هذا دين النصارى؟ إن عيسى جزء منه. فتقسم قلب الرشيد لذلك، ودعا العلماء والفقهاء، فلم يكن منهم من يزيل تلك الشبهة، حتَّى قيل له: قدم حجاج خراسان، وفيهم رجل يقال له: علي بن الحسين بن واقد، من أهل مرو إمام في علم القرآن، فدعاه وجمع بينه وبين الغلام، فسأل الغلام، فأعاد قوله، فاستعجم على علي بن الحسين في الوقت جوابها، فقال: يا أمير المؤمنين، قد علم الله سبحانه في سابق علمه أن مثل هذا الخبيث يسألني في مجلسك عن هذا، وأنَّه لم يخل كتابه عن جوابه، وليس يحضرني في الوقت، ولله على ألا أطعم حتَّى آتي الذي فيها من حقها إن شاء الله، فدخل بيتًا مظلمًا، وأغلق عليه بابه، واندفع في قراءة القرآن، حتَّى بلغ سورة الجاثية {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} فصاح بأعلى صوته: افتحوا الباب، فقد وجدت. ففتحوا، ودعا الغلام (١)، وقرأ عليه الآية بين يدي الرشيد، وقال: إن كان قوله: {وَرُوحٌ منْه} يوجب أن عيسى بعض


= توفي سنة (١٩٣ هـ).
انظر: "تاريخ بغداد" للخطيب (٥/ ١٤)، "الكامل" لابن الأثير ٦/ ١٠٦، "سير أعلام النبلاء" للذهبي ٩/ ٢٨٦.
(١) في (م): وقرأ الغلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>