الأرض، وكان في بطنه أربعين ليلة، يسمع تسبيح الحصا، فنادى في الظلمات أن: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فاستجاب الله له، فأمر الحوت فنبذه على ساحل البحر، وهو كالفرْخِ الممعَّط، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين، فجعل يستظل تحتها، ووكّل الله به وعلًا يشرب من لبنها، فيبست الشجرة فبكى عليها، فأوحى الله تعالى إليه: تبكي على شجرة يبست ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن أهلكهم، فخرج يونس فإذا هو بغلام يرعى، فقال: ممن أنت، يا غلام؟ قال: من قوم يونس، قال: إذا رجحت إليهم فأخبرهم أنك لقيت يونس، فقال الغلام: إن كنت يونس فقد تعلم أنَّه إن لم تكن لي بينة قتلت، فمن يشهد لي؟ قال يونس: تشهد لك هذِه البقعة وهذِه الشجرة، فقال له الغلام: فمرهما، فقال يونس: إذا جاءكما هذا الغلام فاشهدا له، قالتا: نعم، فرجع الغلام إلى قومه فقال للملك: إني قد لقيت يونس، وهو يقرأ عليكم السلام، وكان له إخوة، وكان في منعة، فأمر الملك بقتله، فقال: إنَّ لي بينة؛ فأرسلوا معي، فأتى البقعة والشجرة، فقال أنشدكما: هل أشهدكما يونس؟ قالتا: نعم، فرجع القوم مذعورين، وقالوا للملك: شهد له الشجرة والأرض، فأخذ الملك بيد الغلام فأجلسه في مجلسه، وقال: أنت أحق بهذا المكان مني، قال ابن مسعود: فأقام لهم أمرهم أربعين سنة (١).
(١) ذكره البغوي في "معالم التنزيل" ٤/ ١٥٣، ونحوه في "تاريخ الرسل والملوك " =