للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولم نترك وراءنا ثقلًا يهمنا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا شيئًا نخشى عليه، وإن تظهر فلعمري لنتخذن النساء والأبناء. قالوا: نقتل هؤلاء المساكين فما خير في العيش بعدهم. قال: فإن أبيتم على هذِه فإن الليلة ليلة السبت، وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها، فانزلوا لعلنا أن نصيب من محمَّد وأصحابه غرة. قالوا: نخرم سبتنا ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من كان قبلنا، أما قد علمت ما أصابهم من المسخ ما لم يخف عليك؟ قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازمًا؟ !

قال: ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ابعث إلينا بأبي لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف -وكانوا حلفاء الأوس- نستشيره في أمرنا. فأرسله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما رأوه قام إليه الرجال، ونهش (١) إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فَرقَّ لهم، وقالوا له: يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد؟ ، قال: نعم. وأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح (٢)، قال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت


(١) النهش: أن تخمش المرأة وجهها عند المُصِيبة، فتأخُذ لحمه بأظْفارها. وهو أيضًا: الهزال. والمَنْهُوش: المَهْزول المَجْهُود. من قولهم: نَهَشَه، إذا جَهَدَه، فهو مَنْهُوش. والمراد أنهم رفعوا أصواتهم، وبالغوا في البكاء، وذلك للتأثير على أبي لبابة - رضي الله عنه -، لما علموا من رقة قلبه.
انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير ٥/ ١٣٧ (نهش).
(٢) الذبح يعني: القتل، والذبحُ ها هنا مجازٌ عن الهَلاك، فإنه من أسْرَع أسبابه.
انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير ٢/ ١٥٣ (ذبح).

<<  <  ج: ص:  >  >>