يحكى أن شريك بن عبد الله القاضي دخل على المهدي، فلما رآه قال: علي بالسيف والنطع. قال: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت في منامي كأنك تطأ بساطي وأنت معرض عني، فقصصت رؤياي على من عبرها، فقال لي: يظهر لك طاعة ويضمر معصية. فقال له شريك: والله ما رؤياك برؤيا إبراهيم الخليل -عليه السلام-، ولا أن معبرك بيوسف الصديق -عليه السلام-، فبالأحلام الكاذبة تضرب أعناق المؤمنين؟ فاستحيى المهدي، وقال: أخرج عني. ثم صرفه وأبعده. وحكى الغزالي أن بعض الأئمة أفتى بوجوب قتل رجل يقول بخلق القرآن، فروجع فيه فاستدل بأن رجلًا رأى في منامه إبليس قد اجتاز بباب المدينة ولم يدخلها؟ فقيل: هل دخلتها؟ فقال: أغناني عن دخولها رجل يقول بخلق القرآن، فقام ذلك الرجل فقال: لو أفتى إبليس بوجوب قتلي في اليقظة هل تقلدونه في فتواه؟ فقالوا: لا! فقال: قوله في المنام لا يزيد على قوله في اليقظة. وأما الرؤيا التي يخبر فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرائي بالحكم فلا بد من النظر فيها أيضًا، لأنه إذا أخبر بحكم موافق لشريعته، فالحكم بما استقر، وإن أخبر بمخالف فمحال، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا ينسخ بعد موته شريعته المستقرة في حياته، لأن الدين لا يتوقف استقراره بعد موته على حصول المرائي النومية، لأن ذلك باطل بالإجماع. فمن رأى شيئًا من ذلك فلا عمل عليه، وعند ذلك نقول: إن رؤياه غير صحيحة. إذ لو رآه حقًّا لم يخبره بما يخالف الشرع. لكن يبقى النظر في معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من رآني في النوم فقد رآني" وفيه تأويلان: أحدهما: ما ذكره ابن رشيد إذ سئل عن حاكم شهد عنده عدلان مشهوران بالعدالة في قضية، فلما نام الحاكم ذكر أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: ما تحكم بهذِه الشهادة؟ فإنها باطلة. فأجاب بأنه لا يحل له أن يترك العمل بتلك الشهادة، لأن ذلك إبطال لأحكام الشريعة بالرؤيا، وذلك باطل لا يصح أن يعتقد، إذ لا يعلم =