والتأويل الثاني يقوله علماء التعبير: إن الشيطان قد يأتي النائم في صورة ما من معارف الرائي وغيرهم فيشير له إلى رجل آخر: هذا فلان النبي، وهذا الملك الفلاني، أو من أشبه هؤلاء ممن لا يتمثل الشيطان به. فيقع اللبس على الرائي بذلك وله علامة عندهم. وإذا كان كذلك أمكن أن يكلمه المشار إليه بالأمر والنهي غير الموافقين للشرع، فيظن الرائي أنه من قبل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يكون كذلك، فلا يوثق بما يقول له أو يأمر أو ينهى. وما أحرى هذا الضرب أن يكون الأمر أو النهي فيه مخالفًا لكمال الأول، حقيق بأن يكون فيه موافقًا، وعند ذلك لا يبقى في المسألة إشكال. نعم لا يحكم بمجرد الرؤيا حتى يعرضها على العلم، لإمكان اختلاط أحد القسمين بالآخر وعلى الجملة فلا يستدل بالرؤيا في الأحكام إلا ضعيف المنة. نعم يأتي المرئي تأنيسًا وبشارة ونذارة خاصة، بحيث لا يقطعون بمقتضاها حكمًا، ولا يبنون عليها أصلًا وهو الاعتدال في أخذها، حسبما فهم من الشرع فيها، والله أعلم. وقد تكلم الفقهاء فيما لو رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام، وأمره بأمر: هل يلزمه ذلك؟ وقيل فيه: إن ذلك إما أن يكون مخالفا لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من الأحكام في اليقظة أولا. فإن كان مخالفا عمل بما ثبت في اليقظة، لأنا -وإن قلنا: بأن من رأى النبي =