للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جعلت الجبال تجاوبه بالتسبيح نحو ما يسبح، ثمَّ إنه قال ليلة من الليالي -في نفسه-: لأعبدن الله عبادة لم يعبده أحد مثلها (١)، فصعد الجبل، فلما كان في جوف الليل وهو على الجبل إذ (٢) دخلته وحشة، فأوحى الله -عز وجل- إلى الجبال أن آنسي داود، فاصطكت (٣) الجبال بالتسبيح


= وخضوعها وخلقها وجريان المشئية عليها هو تسبيحها وقنوتها، وإن كان ذلك بلسان الحال ولكنها شاهدة للخالق جل جلاله، وقيل للأرض من فجر أنهارها، وغرس أشجارها، وأخرج نباتها وثمارها، فإن لم تجبك حواراً، وإلا أجابتك اعتباراً، وهذا يقوله الغزالي وغيره، وهو أحد الوجوه التي ذكرها أبو بكر الأنباري في قوله تعالى: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}، قال: كل مخلوق قانت له باشر صنعته فيه، وأجرى أحكامه عليه، فذلك دليل على ذله لربه، وهو الذي ذكره الزجاج في قوله تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} قال: إسلام الكل خضوعهم لنفاذ أمره في جبلهم، لا يقدر أحد أن يمتنع من جبلة جبله الله عليها، وهذا المعنى صحيح، لكن الصواب الذي عليه جمهور علماء السلف والخلف: أن القنوت والاستسلام والتسبيح أمر زائد على ذلك، قال: تسبيحه دلالته على صانعه، فتوجب بذلك تسبيحاً من غيره، والصواب أن لها تسبيحاً وسجوداً بحسبها.
انظر: "جامع الرسائل" لابن تيمية، (ص ٤٢ - ٤٤) باختصار، "مجموع الفتاوى" ١/ ٤٦ - ٤٧.
(١) في (م): بمثلها.
(٢) سقطت من (م).
(٣) في (م): قال: فاصطكت.
الصَّكَكُّ: أن تَضْرِب إحْدى الركْبتَين الأُخْرى عند العَدْو فتُؤَثر فيهما أثراً، واصْطَكُّت، أي: تضَارَبت، وهو افْتَعَلت من الصَّكِّ، قُلبت التاءُ طاء لأجل الصَّادِ.
انظر: "النهاية" في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير ٣/ ٤٢ (صكك).

<<  <  ج: ص:  >  >>