للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ} أي: وقلنا: اعملوا آل داود {شُكْرًا} (١) مجازه اعملوا بطاعة الله يا آل داود شكراً على نعمه، و {شُكْرًا} في محل المصدر. {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (٢) أرسل حمزة الياء، وفتحها


(١) قلت: شكر العبد لربه: هو أن يستعين بنعمه على طاعته، وشكر الرب لعبده: هو أن يثيبه الثواب الجزيل على عمله القليل. ومادة (شكر) لا تتعدى غالباً إلا باللام، وتعديتها بنفسها دون اللام قليلة، ومنه قول أبي نخيلة:
شكرتك إن الشكر حبل من التقى ... وما كل من أوليته نعمة يقضى (٢)
(٢) وروي أن داود -عليه السلام- قال: يا رب كيف أطيق شكرك على نعمك. وإلهامي وقدرتي على شكرك نعمة لك؟ فقال: يا داود الآن عرفتني. وحقيقة الشكر الاعتراف بالنعمة للمنعم واستعمالها في طاعته، والكفران استعمالها في المعصية. وقليل من يفعل ذلك؛ لأنَّ الخير أقل من الشر، والطاعة أقل من المعصية، بحسب سابق التقدير. وقال مجاهد: لما قال الله تعالى {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} قال داود لسليمان: إن الله -عز وجل- قد ذكر الشكر فاكفني صلاة النهار أكفك صلاة الليل، قال: لا أقدر، قال: فاكفني. قال الفاريابي: أراه قال إلى صلاة الظهر. قال: نعم، فكفاه. وقال الزهري: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} أي: قولوا الحمد لله. و {شُكْرًا} نصب على جهة المفعول؛ أي: اعملوا عملا هو الشكر. وكأن الصلاة والصيام والعبادات كلها هي في نفسها الشكر إذ سدت مسده، ويبين هذا قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: ٢٤] وهو المراد بقوله {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}. وقد قال سفيان بن عيينة في تأويل قوله تعالى {أَنِ اشْكُرْ لِي} [لقمان: ١٤] أن المراد بالشكر الصلوات الخمس. وفي "صحيح مسلم" عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم من الليل حتى تفطر قدماه؛ فقالت له عائشة: أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: "أفلا أكون عبدا شكورا". فظاهر القرآن والسنة أن الشكر بعمل الأبدان دون الاقتصار على عمل اللسان؛ فالشكر بالأفعال عمل الأركان، والشكر بالأقوال عمل اللسان. والله أعلم. وقوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ =

<<  <  ج: ص:  >  >>