للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كلامه والبطش به. قال أجب: ما يطاق إذا إلياس إلا بالمكر والخديعة، فقيّض له خمسين رجلًا من قومه من ذوي القوة والبأس وعهد إليهم عهده وأمرهم بالاحتيال والاغتيال به وأن يطمّعوه في أنهم قد آمنوا به هم ومن وراءهم ليستنيم (١) إليهم ويغتر بهم فيمكنهم من نفسه فيأتون به مَلِكَهُم، فانطلقوا حتى ارتقوا ذلك الجبل الذي فيه إلياس عليه السلام ثم تفرّقوا فيه وهم ينادونه بأعلى أصواتهم ويقولون: يا نبيّ الله أبرز لنا وامنن علينا بنفسك فإنا قد آمنّا بك وصدقناك وملِكنا أجب وجميع قومنا، وأنت آمِن على نفسك وجميع بني إسرائيل يقرؤون عليك السلام ويقولون: قد بلغتنا رسالتك وعرفنا ما قلت وآمنَا بك وأجبناك إلى ما دعوتنا، فهلُمّ إلينا فأنت نبيُّنا ورسول ربّنا، فأقم بين أظهرنا واحكم فينا فإنا ننقاد لما أمرتنا وننتهي عما نهيتنا، وليس يسعك أن تتخلف عنا مع إيماننا وطاعتنا فتداركنا وارجع إلينا. وكل ذلك كان منهم مُماكرةً وخديعة، فلما سمع إلياس عليه السلام مقالتهم وقعت بقلبه وطمع في إيمانهم وخاف الله وأشفق من سخطه إن هو لم يظهر لهم ولم يجبهم بعد ما سمع منهم، فلما أجمع على أن يبرز لهم رجع إلى نفسه فقال: لو أني دعوتُ الله عز وجل وسألتُه أن يعلمني ما في أنفسهم ويطلعني على حقيقة أمرهم، وذلك أن الله عز وجل وفقه وألهمه التوقف والدعاء والتحرز فقال: اللهم إن كانوا صادقين


(١) استنام فلان إلى فلان إذا أَنِسَ به واطمأن إليه. "لسان العرب" لابن منظور ١٢/ ٥٩٩ نوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>