ومنه ما يُحمل على وجوه في اللغة، ومتاح في كلام العرب، فيتأول، ويُعلم تأويله المستقيم، وُيزال ما فيه مما عسى أن يتعلق به من تأويل غير مستقيم، كقوله في عيسى عليه السلام: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: ١٧١] إلى غير ذلك، ولا يُسمَّى أحد راسخا إلَّا أن يعلم من هذا النوع كثيرًا، بحسب ما قُدِّر له، وإلَّا فمن لا يعلم سوى المحكم فليس يُسمى راسخًا. وقوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ}: الضمير عائد على جميع متشابه القرآن، وهو نوعان، كما ذكرنا، فقوله: {إِلَّا اللَّهُ} مقتضى بدهية العقل أنه يعلمه على الكمال والاستيفاء، يعلم نوعيه جميعًا، فإن جعلنا قوله: {وَالرَّاسِخُونَ} عطفًا على اسم الله تعالى، فالمعنى إدخالهم في علم التأويل، لا على الكمال، بل علمهم إنما هو في النوع الثاني من المتشابه، وبدهية العقل تقضي بهذا، والكلام فصيح على فصاحة العرب كما نقول: ما قام بنصرتي إلَّا فلان وفلان، وأحدهما قد نصرك بأن حارب معك، والآخر إنما أعانك بكلام فقط .. إلى كثير من المُثل. فالمعنى: وما يعلم تأويل المتشابه إلا الله، والراسخون، كلٌّ بقدره، وما يصلح له، والراسخون بحال قولهم في جميعه: {آمَنَّا بِهِ} إذا تحصَّل لهم في الذي لا يُعلم ولا يتصور عليه تمييزه من غيره، فذلك قدر من العلم بتأويله. وإن جعلنا قوله: {وَالرَّاسِخُونَ} رفعًا بالابتداء، مقطوعًا مما قبله، فتسميتهم. راسخين، يقتضي بأنهم يعلمون أكثر من المحكم، الذي استوى فيه علم جميع من يفهم كلام العرب، وفي أي شيء هو رسوخهم، إذا لم يعلموا إلَّا ما يعلم الجميع؟ ! وما الرسوخ إلا المعرفة بتصاريف الكلام، وموارد الأحكام، ومواضع المواعظ، وذلك كله بقريحة مُعدَّة! فالمعنى: وما يعلم تأويله، على الاستيفاء، إلا الله، والقوم الذين يعلمون منه ما يمكن أن يعلم يقولون في جميعه: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}. وهذا القدر هو الذي تعاطى ابن عباس - رضي الله عنه -، وهو ترجمان القرآن، ولا يتأول عليه أنه علم وقت الساعة، وأمر الروح، وما =