قالوا: قال الله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} فأمرهم الله أن يعدلوا، وأخبر أنهم لا يستطيعون أن يعدلوا فقد أمرهم بما لا يستطيعون، وكلفهم ما لا يطيقون.
إن قال قائل: هل كلف الله الكفار ما لا يطيقون؟ قيل له: إن أردت أنه كلفهم ما لا يطيقونه لعجز حائل، وآفة مانعة فلا، لأنه قد صحيح أبدانهم، وأكمل خلقهم، وأوجد لهم الآلات، ورفع عنهم العلل والآفات، كان أردت أنه كلفهم ما لا يقدرون عليه، بتركهم له، واشتغالهم بضده، فقد كلفهم ذلك.
فإن قالوا: فيقدر الكافر ألا يتشاغل بالكفر؟ قيل لهم: إن معنى لا يتشاغل بالكفر هو أن يؤمن، فكأنكم قلتم يقدر أن يؤمن، وهو مقيم على كفره، فقد قلنا إنه ما دام مشغولًا بالكفر فليس بقادر على الإيمان، إلا على ما جوزت اللغة من أن الإنسان قادر على الفعل، بمعنى أنه لو لم يفرط واثر قدر، كما قالوا: فلان يقدر على حمل كذا، أي: يقدر عليه لو رامه وقصد إلى حمله، نظير قولهم: فلان يفهم، يذهبون إلى أنه يفهم الشيء إذا ورد عليه، وكذلك يقول: الطعام مشبع، والماء مروي، والمعنى (في ذلك)(١) أن الطعام يشبع إذا أكل، وأن الماء يروي إذا شرب، والذي يوضح ذلك ما لا يتدافع الناس بينهم، من قول الرجل: قم معي في حاجة كذا، فيقول: لا أقدر على المجيء معك، لما أنا فيه من الشغل، وقد