٢ - المحققون من المفسرين عندما بدؤوا في تفسير سورة الأنعام صرحوا بأنها جميعًا مكية، وأنها قد نزلت جملة واحدة. وتجاهلوا قول القائل: إن فيها آيات مدنية. فهذا -مثلاً- الإمام ابن كثير ساق في مطلع "تفسيره" لهذِه السورة الروايات التي تثبت أنها مكية. ولم يذكر رواية واحدة تثبت أن فيها آية أو آيات قد نزلت بالمدينة. وابن كثير -كما نعرف: من الحفّاظ، النقَّاد، الذين يعرفون كيف يتخيَّرون الروايات، وكيف يميزون بين صحيحها وضعيفها. ٣ - الروايات التي اعتمد عليها القائلون بأن تلك الآيات التسع مدنية روايات فيها مقال، ولم يعتمدها المحققون من العلماء؛ فقد نقل السيوطي عن ابن الحصار قوله: (استثنى من سورة الأنعام تسع آيات مدنية. ولا يصح به نقل، خصوصًا وأنه قد وردت أنها نزلت جملة) اهـ. "الإتقان" للسيوطي ١/ ٨٥. ٤ - الذي يقرأ سورة الأنعام بتدبُّر يجد فيها سمات القرآن المكي واضحة جلية، فهي تتحدث باستفاضة عن: وحدانية الله، وعن مظاهر قدرته، وعن صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعوته، وعن الأدلة الدامغة التي تؤيد صحة البعث والثواب والعقاب يوم القيامة، إلى غير ذلك من المقاصد التي أكثر الحديث عنها في القرآن المكي. ومن هنا كانت سورة الأنعام بين السور المكية، ذات شأن كبير في تركيز الدعوة الإسلامية؛ تقرِّر حقائقها، وتفنِّد شبه المعارضين لها، ولذلك قضت الحكمة الإلهية أن تنزل -مع طولها وتنوُّع آياتها- جملة واحدة، وأن تكون ذات امتياز خاص، لا يُعرف لسواها، كما قرَّره جمهور العلماء. (١) قال أبو عمرو الداني في "البيان في محمد آي القرآن" ص ١٥١، وابن الجوزي في "فنون الأفنان" ص ٢٨٣: وهي مائة وخمس وستون في عدِّ الكوفي، وست في عدِّ الشامي والبصري، زاد ابن الجوزي: وعطاء - (وسبع) في محمد المكي والمدني. وانظر: "معالم التنزيل" للبغوي ٣/ ١٢٥، "الإتقان" للسيوطي ٢/ ٤٤٣.