للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هو أنهم كانوا يُجالِسون المؤمنين ويُخالِطُونهم حتى يأنس بهم المؤمنون ويعدُّوهم (١) من أنفسهم، فيفشون إليهم أسرارهم فينقلونها إلى أعدائهم (٢)، قال الله -عز وجل-: {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} لأن وبال خِداعِهم راجع (٣) إليهم، فكأنهم في الحقيقة إنما يخدعون (٤) أنفسهم، وذلك أن (٥) الله - سبحانه وتعالى - يُطلع نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - على أسرارهم ونفاقهم، فيفتضحون في الدنيا ويستوجبون العقاب الشديد في العقبى (٦).


(١) في (ش): ويعدونهم.
(٢) في (ف): أعاديهم.
(٣) في (ش)، (ف): عائد.
(٤) في (ج): يخادعون.
(٥) في (ش)، (ف): بأنَّ.
(٦) "البسيط" للواحدي ٢/ ٥١٠، "معالم التنزيل" للبغوي ١/ ٦٦، "لباب التأويل" للخازن ١/ ٣٣.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: فإن قال قائل: وكيف يكون المنافق لله وللمؤمنين مخادعاً، وهو لا يظهر بلسانه خلاف ما هو له معتقد إلا تقيَّة؟ قيل: لا تمنع العرب من أن تسمِّي من أعطى بلسانه غير الذي هو في ضميره تقيةً لينجو مما هو له خائف، فنجا بذلك مما خافه، مخادعاً لمن تخلص منه بالذي أظهر له من التقية، فكذلك المنافق، سمِّي مخادعاً لله وللمؤمنين، بإظهاره ما أظهر بلسانه تقيَّةً، مما تخلَّص به من القتل والسباء والعذاب العاجل، وهو لغير ما أظهر مستبطن. وذلك من فعله وإن كان خداعاً للمؤمنين في عاجل الدنيا فهو لنفسه بذلك من فعله خادع؛ لأنه يظهر لها بفعله ذلك بها، أنَّه يعطيها أمنيَّتها، ويسقيها كأس سرورها، وهو موردها له حياض عطبها، ومجَرِّعها به كأس عذابها، ومزيدها من غضب الله وأليم عقابه ما لا قبل لها به، فذلك خديعته نفسه، ظنًّا منه مع إساءته إليها في أمر معادها أنَّه محسن إليها، كما قال جل ثناؤه: {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}. "جامع البيان" ١/ ١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>