للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القاسم ما كنت جهولًا (١). ومرَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة فقال: "هل مرَّ بكم أحد؟ ".

فقالوا: يا رسول الله قد مرَّ بنا دحية بن خليفة الكلبي على بغلة بيضاء عليها رحالة، وعليها قطيفة ديباج، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ذلك جبريل بُعث إلى بني قريظة يزلزل به حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم".

فلما أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- بني قريظة نزل على بئر من آبارهم في ناحية من أموالهم يقال لها بئر أنا، فتلاحق به الناس فأتاه رجال من بعد العشاء الآخرة ولم يصلوا العصر لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة" (٢)، فصلوا العصر بها، فأتاه رجال بعد العشاء الآخرة فما عابهم الله بذلك في كتابه، ولا عنفهم به رسول


(١) وهم إذ قالوا ذلك ينطبق عليهم "صدقك وهو كذوب" فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يك جهولًا ولا فاحشًّا، وهو كما قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} وكان خلقه القرآن، وما ضرب خادمًا بيده قط ولا ضرب امرأة، ولا سب أحدًا، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إلا أن تنتهك حرمات الله، فيكون هو ينتقم لله -عز وجل-كما حدث هنا، وهذا من الحكمة، فكما أنه نبي الرحمة، والإِسلام دين الرحمة فهو كذلك دين الجهاد والسيف، وليس من الحكمة أن نضع السيف موضع الندى، ولا الندى موضع السيف، وهؤلاء آذوا الله ورسوله، فغلظ لهم القول ليبين عزة الإسلام، وأن المسلمين أقوياء، وهم قادرون على كسر شوكة اليهود، والله أعلم.
(٢) رواه البخاري في صلاة الخوف، باب صلاة الطالب والمطلوب (٩٤٦)، ومسلم في الجهاد باب المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين (١٧٧٠) وعند مسلم: (الظهر) بدلًا من (العصر).

<<  <  ج: ص:  >  >>