(٢) وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دمعت عيناه، ودليله ما رواه البخاري عن أسامة بن زيد، قال: كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا جاءه رسول إحدى بناته تدعوه إلى ابنها في الموت، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ارجع فأخبرها، أن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب". فأعادت إليه الرسول أنها أقسمت لتأتينها، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- وقام معه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، فدفع الصبي إليه، ونفسه تقعقع كأنها في شن، ففاضت عيناه، فقال له سعد: يا رسول الله، ما هذا؟ قال: "هذِه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" قوله: إحدى بناته. قال الحافظ: هي زينب، كما جاء في "مصنف ابن أبي شيبة". "فتح الباري" ٣/ ١٥٦. قلت: يشير إلى ما رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٣/ ٣٩٢ قال: دمعت عين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أتي بابنة زينب، ونفسها تقعقع. . فذرفت عينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالدموع رحمة لهذا الضعيف، وتوجعًا لما نزل به من ألم شديد. فقال سعد: يا رسول الله، ما هذا؟ -لأنه كان - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن البكاء على الميت-، فظن سعد - رضي الله عنه - وغيره أن النهي يدخل فيه دمع العين، وحزن القلب، فبين لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن المنهي عنه هو التسخط من المقدور، ودعوى الجاهلية من العويل والنوح، وتعداد محاسن الميت، وما أشبه ذلك من لطم الوجه وشق الثياب ونحوه، مما =