قلت: ويؤيد ذلك أن العرب كانت أهل تقشف وضنك في الغالب، وأن التنعم وإظهار الزينة إنما جرى في الأزمان السابقة وهي المراد بالجاهلية الأولى، وأن المراد من الآية مخالفة من قبلهن من المشية على تغنيج وتكسير، وإظهار المحاسن للرجال إلى غير ذلك مما لا يجوز شرعا، وذلك يشمل الأقوال كلها ويعمها، فيلزمن البيوت، فإن مست الحاجة إلى الخروج فليكن على تبذل وتستر تام). فائدة: قال الطبري فإن قال قائل: أوَ في الإسلام جاهلية حتَّى يقال: عني بقوله الجاهلية الأولى التي قبل الإسلام؟ ! ، قيل: فيه -أي: الإسلام- أخلاق من أخلاق الجاهلية، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي الدرداء لما عيّر الرجل بأمه: "إن فيك جاهلية" وقال: "ثلاث من عمل أهل الجاهلية لا يدعهن الناس: الطعن بالأنساب، والاستمطار بالكواكب، والنياحة". وقد قال عمر - رضي الله عنه - لابن عباس: أرأيت قول الله لأزوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} هل كانت إلا واحدة؛ ، فقال ابن عباس: وهل كانت من أولى إلا ولها آخرة. انظر: "جامع البيان" ٢٢/ ٤ - ٥. قال ابن العربي: قال القاضي: الَّذي عندي أنها جاهلية واحدة، وهي قبل الإسلام؛ وإنما وصفت بالأولى؛ لأنها صفتها التي ليس لها نعت غيرها، وهذا كقول: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} وهذِه حقيقته؛ لأنه ليس يحكم إلا بالحق. انظر: "أحكام القرآن" ٣/ ١٥٣٧.