للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو هريرة: إن بالحجر ندبًا (١) ستة أو سبعة أثر ضرب


= عريان، فاتفق أنه كان هناك قوم فاجتاز بهم، كما أن جوانب الأنهار وإن خلت غالبًا لا يؤمن وجود قوم قريب منها، فبنى الأمر على أنه لا يراه أحد لأجل خلاء المكان، فاتفق رؤية من رآه. والذي يظهر أنه استمر يتبع الحجر على ما في الخبر حتى وقف على مجلس لبني إسرائيل كان فيهم من قال فيه ما قال. وبهذا تظهر الفائدة، وإلا فلو كان الوقوف على قوم منهم في الجملة لم يقع ذلك الموقع. ومنها: جواز النظر إلى العورة عند الضرورة الداعية لذلك من مداواة أو براءة من عيب، كما لو ادعى أحد الزوجين على الآخر البرص ليفسخ النكاح فأنكر.
ومنها: أن الآدمي يغلب عليه طباع البشر، لأن موسى علم أن الحجر ما سار بثوبه إلا بأمر من الله، ومع ذلك عامله معاملة من يعقل حتى ضربه.
ويحتمل أنه أراد بيان معجزة أخرى لقومه بتأثير الضرب بالعصا في الحجر.
ومنها: ما أبتلي به الأنبياء والصالحون من أذى السفهاء والجهال، وصبرهم عليهم.
ومنها: ما قاله القاضي وغيره: أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم منزهون عن النقائص في الخَلق والخُلق، سالمون من العاهات والمعايب، قالوا: ولا التفات إلى ما قاله من لا تحقيق له من أهل التاريخ في إضافة بعض العاهات إلى بعضهم، بل نزههم الله تعالى من كل عيب، وكل شيء يبغض العيون أو ينفر القلوب. وقوله: (ثوبي حجر) أي: أعطني، وإنما خاطبه لأنه أجراه مجرى من يعقل لكونه فرَّ بثوبه، فانتقل من حكم الجماد إلى حكم الحيوان فناداه، فلما لم يعطه ضربه. فإن قيل: كيف نادى موسى -عليه السلام- الحجر نداء من يعقل؟ ، قيل: لأنه صدر عن الحجر فعل من يعقل.
انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي ١٥/ ١٢٧، "فتح الباري" لابن حجر ١/ ٣٨٦، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١٤/ ٢٥، "عبودية الكائنات" للتوني (٣٠٩ - ١٠).
(١) النَّدَبُ -بالتحريك-: أثر الجُرْح إذا لم يرتفع عن الجلد، فشبه به أثر الضرب في الحجر. انظر: "النهاية في غريب الحديث" ٥/ ٣٤ (ندب).

<<  <  ج: ص:  >  >>