للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= العرض عليها فكيف بها لو أنزل عليها وكلفت بها؟ ! ، قال القرطبي: ما تردى من حجر من رأس جبل، ولا تفجر نهر من حجر، ولا خرج منه ماء إلا من خشية الله، نزل بذلك القرآن الكريم. وهذِه المخلوقات من شفقتها وخشيتها من الله تعالى تنكر الإفك والإد الشديد المفترى على الله تعالى بأن له ولدًا، وذلك لما ادعت النصارى أن المسيح ابن الله، فلم يفظع لتلك الفرية أحد قدر السماوات والأرض والجبال على عظم خلقهن، وعلى ما فيهن من الجمودة وعدم الإدراك -كما يُظن- ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله تبارك وتعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدًا، وأنا الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد" فانظر إلى رد فعل السماوات والأرض والجبال حينما سمعت هذا القول، وانظر إلى مدى تأثرها لذلك بما أودعه الله تعالى فيها من الإدراكات عند سماعها هذا الإد، قال تعالى: {تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هذا * أن دعوا للرحمن ولدا} [مريم: ٩٠ - ٩١] قال ابن كثير: أي يكاد يكون ذلك عند سماعهن هذِه المقالة من فجرة بني آدم، إعظامًا للرب، وإجلالًا؛ لأنهن مخلوقات ومؤسسات على توحيده، وأنه لا إله إلا هو، وأنه لا شريك له، ولا نظير، ولا ند، ولا ولد، ولا له صاحبة، ولا كفء له، بل هو الواحد الأحد، وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد. قال القرطبي رحمه الله: عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: إن الجبل ليقول للجبل: يا فلان هل مر بك اليوم ذاكر لله؟ ، فإن قال: نعم، سُر به، ثم قرأ عبد الله: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (٨٨)} الآية، قال: افتراهن يسمعن الزور ولا يسمعن الخير؟ .
فالله تعالى يذكر الناس بخشيته والخوف منه سبحانه، وذلك باجتناب المعاصي وفعل الطاعات، فيضرب الله تعالى مثلًا بقياس الأولى، فالجبل مع صلابته، ومع عرض الأمانة عليه، وافتراض نزول القرآن عليه فإنه يخشع لله -عز وجل-، والبشر مع تفضيل الله تعالى لهم على كثير من الكائنات، وحملهم للأمانة أولى بأن يكونوا أكثر لله تعالى خشية وخوفًا وتعظيمًا ولكن {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ =

<<  <  ج: ص:  >  >>