انظر: "تفسير القرآن" لابن كثير ١١/ ٢٥١، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١١/ ١٥٧، "أضواء البيان" للشنقيطي ٨/ ١٠١. كلام نفيس جدًّا: ولابن القيم كلام قيم قاله بعد ما بين حكمة الله تعالى من خلق الجبال، وهذا الكلام يُكتب بماء الذهب، فلله دره رحمه الله حينما قال: هذا مع أنها تسبح بحمده، وتخشع له، وتسجد وتشفق، وتهبط من خشيته، وهي التي خافت من ربها وفاطرها وخالقها على شدتها وعظم خلقها من الأمانة إذ عرضها عليها، وأشفقت من حملها. ومنها الجبل الذي كلم الله عليه موسى كليمه ونجيه. ومنها الجبل الذي تجلى له ربه فساخ وتدكك. ومنها الجبل الذي حبب الله ورسوله وأصحابه إليه وأحبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. ومنها الجبلان اللذان جعلهما الله سورًا على نبيه، وجعل الصفا في ذيل أحدهما، والمروة في ذيل الآخر، وشرع لعباده السعي بينهما، وجعله من مناسكهم وتعبداتهم. ومنها جبل الرحمة المنصوب عليه ميدان عرفة، فلله دره كم به من ذنب مغفور، وعثرة مقالة، وزلة معفو عنها، وحاجة مقضية .. ومنها: جبل حراء الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخلو فيه بربه، وهو الجبل الذي فاض منه النور على أقطار العالم، فسبحان من اختص برحمته من شاء من الجبال والرجال، هذا وإنها لتعلم أن لها موعدًا ويومًا تنسف فيه نسفًا وتصير كالعهن، فهي مشفقة من هول ذلك الموعد -كما في الحديث السابق الذي بيناه في خشيتها من يوم الجمعة-، فهذا حال الجبال وهي الحجارة الصلبة، وهذِه رقتها وخشيتها وتدكدكها من جلال ربها وعظمته، وقد أخبر عنها فاطرها وباريها أنه لو أنزل عليها كلامه لخشعت ولتصدعت من خشية الله، فيا عجبًا من مضغة لحم أقسى من هذِه الجبال، تسمع آيات الله تتلى عليها، ويذكر الرب تعالى فلا تلين ولا تخشع. "مفتاح دار السعادة" ١/ ٢٢١.