قالوا: فقال له سليمان: هل عرفت في كثرة تجاربك وجولاتك في
= بأن التقدير والحكم عليهم بالضلالة قبل خلقهم معلل بما سيوجد بَعْدُ باختيارهم وتابع، وهذا فصل الخطاب في القدر الذي ما زال الناس فيه يلبسون الحق بالباطل، ويعبدون آباءهم وأهواءهم، وتجعله المجبرة متبوعاً للاختيار عكس صريح الآية. واعلم أن مذهب أهل الحق إثبات القدر ومعناه: أن الله تبارك وتعالى قدر الأشياء في القدم، وعلم سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده - سبحانه وتعالى - وعلى صفات مخصوصة فهي تقع على حسب ما قدرها - سبحانه وتعالى -. وأنكرت القدرية هذا وزعمت أنَّه - سبحانه وتعالى - لم يقدرها ولم يتقدم علمه - سبحانه وتعالى - بها وأنها مستأنفة العلم، أي: إنما سبحانه بعد وقوعها، وكذبوا على الله - سبحانه وتعالى - وجل عن أقوالهم الباطلة علوا كبيرا. وسميت هذِه الفرقة قدرية لإنكارهم القدر. وصارت القدرية في الأزمان المتأخرة تعتقد إثبات القدر؛ ولكن يقولون: الخير من الله والشر من غيره، تعالى الله عن قولهم. وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "القدرية مجوس هذِه الأمة" فشبههم بهم لتقسيمهم الخير والشر في حكم الإرادة كما قسمت المجوس، فصرفت الخير إلى يزدان والشر إلى أهرمن. قال الخطابي: إنما جعلهم - صلى الله عليه وسلم - مجوسا لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس في قولهم بالأصلين النور والظلمة يزعمون أن الخير من فعل النور، والشر من فعل الظلمة، وكذلك القدرية يضيفون الخير إلى الله تعالى والشر إلى غيره، والله - سبحانه وتعالى - خالق الخير والشر جميعاً لا يكون شيء منهما إلا بمشيئته فهما مضافان إليه - سبحانه وتعالى - خلقا وإيجادا وإلى الفاعلين لهما من عباده فعلا واكتسابا والله أعلم. وقال الخطابي: وقد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر إجبار الله - سبحانه وتعالى - العبد وقهره على ما قدره وقضاه، وليس الأمر كما يتوهمونه وإنما معناه: الإخبار عن تقدم علم الله - سبحانه وتعالى - بما يكون من اكتساب العبد وصدورها عن تقدير منه وخلق لها خيرها وشرها. قال: والقدر اسم لما صدر مقدرا عن فعل القادر، يقال قدرت الشيء وقدرته بالتخفيف والتثقيل بمعنى واحد، والقضاء في هذا معناه الخلق كقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: ١٢] أي خلقهن، قلت: وقد تظاهرت الأدلة القطعيات من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأهل الحل والعقد من السلف والخلف =