للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأمرت بواديهم فسُد بالعرم وهو المسناة بلغة حمير، فسدّت ما بين الجبلين بالصخر والقار، وجعلت له أبوابًا ثلاثة بعضها فوق بعض، وبنت من دونه بِرْكة ضخمة، فجعلت فيها (١) اثني عشر مخرجًا على عدة أنهارهم، فلما جاء المطر اجتمع إليه ماء الشجر وأودية اليمن، فاحتبس السيل من وراء السد فأمرت بالباب الأعلى ففتح، فجرى ماؤه في البركة، وأمرت بالبعر فألقي فيها فجعل بعض البعر يخرج أسرع من بعض، فلم يزل يُضيّق تلك الأنهار ويرسل البعر في الماء حتَّى خرجت جميعًا معًا، فكانت تقسمه بينهم على ذلك حتَّى كان من شأنها وشأن سليمان ما كان (٢)، وبقوا على ذلك بعدها، فكانوا يسقون من الباب الأعلى ثم من الثاني ثم من الثالث الأسفل، فلا


= دونها، وجعل انتساب الأولاد إليه لا إليها، وجعل شهادته في الأموال بشهادة امرأتين في قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}. وجعل شهادته تقبل في الحدود والقصاص دونها، إِلَى غير ذلك من الفوارق الحسية والمعنوية والشرعية بينهما. ألا ترى أن الضعف الخلقي والعجز عن الإبانة في الخصام عيب ناقص في الرجال، مع أنَّه يعد من جملة محاسن النساء التي تجذب إليها القلوب. قال جرير:
إن العيون التي في طرفها حور ... قتلنا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتَّى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا
ولمزيد من التفصيل انظر: "أضواء البيان" للشنقيطي عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: ٩].
(١) سقطت من (م).
(٢) أي: لما ذهبت إِلَى سليمان عليه السلام، وأسلمت لله رب العالمين، والقصة مشهورة ومبسوطة في كتب التفسير في سورة النمل، فتأمله.

<<  <  ج: ص:  >  >>