للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم اختلفوا في (١) تأويلها، فقال قوم من أهل المعاني: قد أثبت الله -عز وجل- للقلب كسبًا، فقال: {بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} (٢) وكل عامل مأخوذ بكسبه، ومجازى على عمله (فليس الله -عز وجل- بتاركٍ عبدًا) (٣) يوم القيامة أسرَّ عملًا، أو أعلنه من حركة في جوارحه، أو هَمَّةٍ في قلبه دون أن يُعَرِّفَهُ إياه، ويخبره (٤) به، ثم يغفر ما شاء لمن شاء، ويعذب من شاء بما شاء.


= قال الواحدي: والمحققون يختارون أن تكون الآية محكمة غير منسوخة؛ لأن النسخ إنما يكون في الأمر، والنهي. "البسيط" (١/ ١٧٠ ب).
وقال البيهقي في "شعب الإيمان" ١/ ٢٩٧ - ٢٩٨: وهذا النسخ بمعنى التخصيص والتبيين؛ فإن الآية الأولى وردت مورد العموم، فوردت الآية التي بعدها، فبينت أن ما يخفى مما لا يؤاخذ به، وهو حديث النفس الذي لا يستطيع العبد دفعه عن قلبه، وهذا لا يكون منه كسب في حدوثه وبقائه، وكثير من المتقدمين كانوا يطلقون عليبما اسم النسخ على الاتساع؛ بمعنى أنه لولا الآية الأخرى لكانت الآية الأولى تدل على مؤاخذته بجميع ذلك.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" ١٤/ ١٠١: إن لفظ النسخ مجمل؛ فالسلف كانوا يستعملونه فيما يظن دلالة الآية عليه من عموم أو إطلاق، أو غير ذلك ... وكذلك ينسخ الله ما يقع في النفوس من فهم معنى، وإن كانت الآية لم تدل عليه؛ لكنه محتمل، وهذِه الآية من هذا الباب؛ فإن قوله: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} إنما تدل على أن الله يحاسب بما في النفوس لا على أنه يعاقب على كل ما في النفوس، وقوله: {لِمَنْ يَشَاءُ} يقتضي أن الأمر إليه في المغفرة والعذاب لا إلى غيره.
(١) في (ش)، (ح) زيادة: وجه.
(٢) البقرة: ٢٢٥.
(٣) في (ح): فليرى الله تبارك وتعالى عبدًا.
(٤) في (ح): أو يخبره.

<<  <  ج: ص:  >  >>