هؤلاء، وأرواح جبابهم -وكان عليهم جباب صوف لم يكن عليهم غيرها- لجالسناك وحادثناك وأخذنا عنك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أنا بطارد المؤمنين" قالوا: فإنا نحب أن تجعل لنا منك مجلسًا، تعرف لنا به العربُ فضلنا؛ فإن وفود العرب تأتيك، فنستحيي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأَعْبُد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت. قال:"نعم".
قالوا: اكتب لنا عليك بذلك كتابًا. قال: فدعا بالصحيفة، ودعا عليًّا؛ ليكتب.
قال: ونحن قعود في ناحية إذ نزل جبريل عليه السلام بقوله: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} إلى قوله: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} فألقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحيفة من يده، ثم دعانا، فأتيناه، وهو يقول:{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} فكنا نقعد معه، فإذا أراد أن يقوم، قام وتركنا، فأنزل الله:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} الآية.
قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقعد معنا بعد، وندنو منه، حتى كادت ركبتنا تمسُّ ركبته، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها، قمنا وتركناه حتى يقوم، وقال لنا:"الحمدُ لله الذي لم يُمتْنِي حتى أَمرَني أنْ أصبرَ نفسِي مع قومٍ من أمتي، معكم المحيا، ومعكم الممات"(١).
(١) أخرجه ابن ماجه في "سننه" كتاب الزهد، باب مجالسة الفقراء (٤١٢٧) والطبري في "جامع البيان" ٧/ ٢٠١، وابن أبي شيبة في "المصنف ١١/ ٢٣٩١ - ٢٤٠ =