للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكبيرهم، فجعلوا ينظرون إليه، ويقولون: والله ما هذا الفتى من أهل هذِه المدينة، وما رأيناه فيها قط، وما نعرفه! فجعل تمليخا لا يدري ما يقول لهم مع ما يسمع منهم، فلما اجتمع عليه أهل المدينة فرق فسكت فلم يتكلم، ولو قال إنه من أهل المدينة وكان مستيقنًا أن أباه حي وإخوته بالمدينة، وأن جنسه (١) من أهل المدينة من عظماء أهلها، أنهم سيأتونه إذا سمعوا وقد استيقن أنَّه عشية أمس يعرف كثيرًا من أهلها أحدًا، وأنه لا يعرف اليوم من أهلها فبينا هو قائم كالحيران ينتظر متى يأتيه بعض أهله أبوه أو بعض إخوته فيخلصه من أيديهم إذ اختطفوه، فانطلقوا به إلى رأسي المدينة ومدبريها الذين يدبران أمرها (٢)، وهما رجلان صالحان اسم أحدهما "أريوس" واسم الآخر "أسطيوس" فلما انطلق به إليهما ظن تمليخا أنَّه إنما ينطلق به إلى دقيانوس الجبار ملكهم الَّذي هربوا منه، فجعل يلتفت يمينًا وشمالًا وجعل الناس يسخرون منه كما يسخر (٣) من المجنون والحيران، فجعل تمليخا يبكي، ثم يرفع رأسه إلى السماء وإلى الله تعالى، ثم قال: اللهم إله السماء وإله الأرض، أفرغ اليوم عليّ صبرًا، وأولج منك معي روحًا تؤيدني به عند هذا الجبار، وجعل يبكي ويقول في نفسه: فرق بيني وبين


(١) في (ب) فإن حسبه، وفي البغوي: وأن حسبه ونسبه من أهل المدينة.
(٢) في الأصل رأس ومدبرها الَّذي يدبر .. بالإفراد.
(٣) في (ب) يسخرون.

<<  <  ج: ص:  >  >>