وهو نظير قوله تعالى:{اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ}[التوبة ٣١/ ٩]، معناه: أنهم أنزلوهم منزلة ربّهم في قبول تحريمهم وتحليلهم لما لم يحرّمه الله ولم يحلّه الله.
وفي هذا حجّة على أنّ مسائل الدّين كالعبادات والتّحريم والتّحليل لا يؤخذ فيها إلا بقول النّبي المعصوم، لا بقول إمام ولا فقيه، وإلا كان إشراكا في الرّبوبية، وهذا ما ندّد به القرآن في آيات مثل قوله تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ}[الشورى ٢١/ ٤٢]، وقوله:{وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ: هذا حَلالٌ، وَهذا حَرامٌ}[النحل ١١٦/ ١٦].
أما المسائل الدّنيوية كالقضاء والسياسة فهذه فوّض أمرها إلى أهل الحلّ والعقد وهم أهل الشورى، فما أمروا به وجب تنفيذه وقبوله.
وإن أعرض أهل الكتاب عما دعوا إليه وهي الكلمة السواء نقول: نحن مسلمون أي متّصفون بدين الإسلام، منقادون لأحكامه، معترفون بما لله علينا في ذلك من النّعم، غير متّخذين أحدا ربّا، لا عيسى ولا عزيرا ولا الملائكة؛ لأنهم بشر مثلنا، ولا نقبل من الرّهبان شيئا بتحريمهم علينا ما لم يحرّمه الله علينا، فنكون قد اتّخذناهم أربابا.
وأبين آية وحجّة على اليهود والنصارى الذين ادّعوا أن إبراهيم كان على دين كل منهم آية:{يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ..}. فهي تكذبهم بأن اليهودية والنصرانية إنما كانتا من بعده، وذلك قوله:{وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلاّ مِنْ بَعْدِهِ} فكيف يكون إبراهيم منسوبا إلى ملّة حادثة بعده؟ هذا فضلا عن أن اليهودية ملّة محرّفة عن ملّة موسى عليه السلام، والنّصرانية ملّة محرّفة عن شريعة عيسى عليه السلام.
ودلّت آية:{ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ..}. على المنع من الجدال لمن لا علم