يستحق كل مقصر في واجبه العقاب واللوم، فقد كان التوبيخ في الآية بسبب ترك فعل البر، لا بسبب الأمر بالبر، وكان ذم اليهود لأنهم كانوا يأمرون بأعمال البر والطاعة ولا يعملون بها، ويزداد التقريع للعالم الذي لا يعمل بما علم، فليس من يعلم كمن لا يعلم، ولا يتقبل العقل السليم هذه الحال من أحد.
وإطاعة الأوامر الإلهية وعدم مخالفتها تتطلب الصبر، ومن صبر عن المعاصي فقد صبر على الطاعة، ومن أخص حالات الصبر: الصلاة، فالصلاة فيها سجن النفوس، وجوارح الإنسان فيها مقيدة بها عن جميع الشهوات، فكانت الصلاة أصعب على النفس، وكانت مكابدتها أشق. وتهون المصاعب كلها أمام الخاشعين المتواضعين المخبتين إلى الله، الموقنين بلقاء الله، المصدقين بالبعث والجزاء والعرض على الملك الأعلى الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
وليست أمور الآخرة مقيسة على أمور الدنيا، كما كان يتوهم اليهود وغيرهم من الأمم الوثنية، فليس في ميزان الإسلام وعدله طريق لتخليص المجرمين من العذاب بفداء أو بدل يدفع، أو بشفاعة تشفع، ولا ينفع في اليوم الآخر إلا مرضاة الله تعالى بالعمل الصالح، والإيمان المستقر في النفوس، المتجلي في أعمال الإنسان، والحكم إلى الله العدل الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء، فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة أضعافها، كما قال تعالى:{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ، ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ، بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ}[الصافات ٢٤/ ٣٧ - ٢٦].
والشفاعة المرفوضة هي شفاعة الكافرين، فقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله تعالى:{وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً، وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ}: النفس الكافرة، لا كل نفس. أما المؤمنون فتنفعهم الشفاعة بإذن الله، لقوله تعالى:{وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى}[الأنبياء ٢٨/ ٢١] والفاسق