{سُؤْلَكَ} مسئولك، أي مطلوبك {مَنَنّا} أنعمنا {إِذْ} للتعليل {أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ} ألهمنا أو في المنام، لما ولدتك وخافت أن يقتلك فرعون في جملة من يولد، كما أوحى إلى مريم، وإلى النحل، وإلى الحواريين وليس وحيا على جهة النبوة {ما يُوحى} في أمرك {اِقْذِفِيهِ} ألقيه واطرحيه أي ألقي موسى الصغير في التابوت {فَاقْذِفِيهِ} فألقي التابوت {فِي الْيَمِّ} البحر، والمراد هنا نهر النيل {فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسّاحِلِ} الشاطئ، والأمر هنا بمعنى الخبر {يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ} وهو فرعون {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} أي محبة كائنة مني، لتصبح محبوبا بين الناس، فأحبك فرعون وكل من رآك {وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي} وتربى على رعايتي وحفظي لك بمرأى مني.
{إِذْ تَمْشِي} إذ للتعليل {أُخْتُكَ} مريم، لتتعرف على خبرك، وقد أحضروا مراضع وأنت لا تقبل ثدي واحدة منهن {يَكْفُلُهُ} يضمه إلى نفسه ويصبح كافلا له، فأجيبت، فجاءت بأمه، فقبل ثديها {تَقَرَّ عَيْنُها} تسر بلقائك {وَلا تَحْزَنَ} بفراقك وأنت بفراقها وفقد شفقتها {وَقَتَلْتَ نَفْساً} هو القبطي بمصر الذي استغاثه عليه الإسرائيلي، فاغتممت لقتله خوفا من فرعون {الْغَمِّ} غم قتله، خوفا من عقاب الله تعالى، والغم: الكدر الحادث من خوف شيء أو فوات مقصود {وَفَتَنّاكَ فُتُوناً} اختبرناك بأنواع من الابتلاء، فخلصناك مرة بعد أخرى. والفتون:
الابتلاء والاختبار بالمحن، ثم تخليصه منها. وهو إجمال لما ناله في سفره من الهجرة عن الوطن، وترك الأصحاب، والمشي راجلا على حذر، وفقد الزاد، وأجر نفسه، وغير ذلك أثناء مسيره من مصر إلى مدين، ومدين: على ثماني مراحل من مصر، وهي جنوب فلسطين (١).
{فَلَبِثْتَ سِنِينَ} أقمت في أهل مدين عشر سنين، بعد مجيئك إليها من مصر عند شعيب النبي وتزوجك بابنته {ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ} قدرته في علمي لأن أكلمك وأكلفك بالرسالة، وهو أربعون سنة {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} اخترتك بالرسالة والمحبة. وكرر:{يا مُوسى} للتنبيه على غاية القصة وهي التكليم.
المناسبة:
بعد أن سأل موسى ربه أمورا ثمانية، ذكر تعالى هنا أنه أجابه إليها، ليتمكن
(١) خرج موسى عليه السلام من مصر إلى أرض مدين وهو شاب، بعد قتل القبطي في مصر، وفي هذه الرحلة أقام بمدين وتزوج بابنة شعيب عليه السلام، وقضى عشر سنين فأكثر. ثم بعد بعثته عليه السلام عاد إلى مصر لإخراج بني إسرائيل من ذل العبودية ودعوة فرعون إلى دينه.