للمارة {تَعْبَثُونَ} تفعلون ما لا فائدة فيه أصلا، كاللعب {مَصانِعَ} مجامع الماء ومآخذه، وقيل:
قصورا مشيدة وحصونا {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} أي كأنكم تخلدون فيها لا تموتون، ولعل هنا: للتشبيه {وَإِذا بَطَشْتُمْ} بضرب أو قتل، والبطش: الأخذ بالعنف {جَبّارِينَ} متسلطين عاتين بلا رأفة ولا شفقة، ولا قصد تأديب {فَاتَّقُوا اللهَ} بترك هذه الأشياء {وَأَطِيعُونِ} فيما أدعوكم إليه؛ فإنه أنفع لكم.
{أَمَدَّكُمْ} أنعم عليكم أو سخر لكم {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ} كرره للتأكيد والتنبيه على دوام الإمداد، والوعيد على تركه بالانقطاع {عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} في الدنيا والآخرة، فإنه كما قدر على الإنعام، قدر على الانتقام {سَواءٌ عَلَيْنا} مستو عندنا {أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ} أصلا، أي لا نرعوي لوعظك عما نحن عليه. والوعظ: كلام لطيف يلين القلب بذكر الوعد والوعيد.
{إِنْ هذا إِلاّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} أي ما هذا الذي خوفتنا به إلا خلق المتقدمين وكذب الأولين وعادتهم وطبيعتهم ونحن بهم مقتدون، فلا حساب ولا بعث، والمراد: عادتهم في اعتقاد ألا بعث {وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} على ما نحن عليه {فَكَذَّبُوهُ} بالعذاب {فَأَهْلَكْناهُمْ} بسبب التكذيب في الدنيا بريح صرصر.
المناسبة:
هذه قصة أخرى للعظة والعبرة، هي قصة هود عليه السلام الذي دعا قومه إلى توحيد الله وطاعته، وحذرهم من عقابه، وهم في الزمان بعد قوم نوح، كما قال تعالى:{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ، وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً}[الأعراف ٦٩/ ٧] وكانوا يسكنون الأحقاف: وهي جبال الرمل قرب حضرموت في بلاد اليمن. وكانوا أولي طول مديد وبأس وشدة، ورخاء ونعيم، بسبب كثرة الأرزاق والأموال والأنهار والزروع والثمار، لكنهم مع ذلك كانوا يعبدون غير الله تعالى، وكذبوا نبيهم هودا عليه السلام، فأهلكهم.