وتجاوزنا ببني إسرائيل البحر بقدرتنا وحفظنا، فلحقهم فرعون وجنوده ظلما وعدوا، أي باغين وعادين عليهم، أو للبغي والعدوان، والفتك بهم، أو إعادتهم إلى مصر ليعذبوهم سوء العذاب ويستعبدوهم كما كانوا يفعلون.
فلما أشرف على الغرق، قال: آمنت بأنه لا إله بحق إلا الله الذي آمنت به بنو إسرائيل، وأنا من المسلمين أي المنقادين المذعنين لأمره.
وكرر فرعون بهذه العبارة المعنى الواحد ثلاث مرات، في ثلاث عبارات، حرصا منه على القبول، ومع ذلك لم يقبل منه إيمانه حيث أخطأ وقته، وقاله عند الإكراه والاضطرار، وحين لم يبق له اختيار قط. ويلاحظ أن المرة الواحدة كانت كافية في حال الاختيار.
فردّ الله تعالى عليه على لسان جبريل، أو بإلهام من الله تعالى نفسه بقوله:
{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} أي أتؤمن الساعة في وقت الاضطرار حين أدركك الغرق، وأيست من نفسك، وقد عصيت الله قبل هذا، وكنت من الضالين المضلين عن الإيمان، كقوله تعالى:{الَّذِينَ كَفَرُوا، وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ، زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ}[النحل ٨٨/ ١٦].
{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ..}. أي فاليوم نرفعك على مكان مرتفع من الأرض، وننقذك بجسدك الذي لا روح فيه، أو ببدنك كاملا سويا لم ينقص منه شيء ولم يتغير من الارتماء في قعر البحر؛ لتكون لبني إسرائيل دليلا أو علامة على موتك وهلاكك وكان في أنفسهم أن فرعون أعظم شأنا من أن يغرق، ولتكون عبرة لمن بعدك من الناس يعتبرون بك، فينزجرون عن الكفر والفساد في الأرض وادعاء الربوبية.