{وَكَذلِكَ} أي كما متعنا عصاة الإنس والجن بعضهم ببعض {نُوَلِّي} من الولاية والإمارة، أو نجعل بعضهم أنصار بعض {بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضاً} أي على بعض {بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} من المعاصي {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} أي من مجموعكم، ويصدق ذلك على بعض الإنس: لأن الرسل من الإنس، ولم يكن من الجن رسول، فهذا من باب التغليب، كقوله تعالى:{يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ}[الرحمن ٢٢/ ٥٥] وإنما يخرجان من البحر المالح لا العذب. {يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ} يخبرونكم بها مع التوضيح والتبيان.
{شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا} أن قد بلّغنا {وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا} أي خدعتهم الدنيا بزخارفها فلم يؤمنوا.
{ذلِكَ} أي إرسال الرسل {وَأَهْلُها غافِلُونَ} لم يرسل إليهم رسول يبين لهم.
{وَلِكُلٍّ} من العاملين {دَرَجاتٌ} مراتب جزاء على وفق أعمالهم {مِمّا عَمِلُوا} من خير أو شر.
المناسبة:
لما حكى الله تعالى عن الجن والإنس أن بعضهم يتولى بعضا، بيّن أن ذلك إنما يحصل بتقديره وقضائه، فقال:{وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضاً} أي مثل ما ذكر من استمتاع الجن والإنس ببعضهم في الدنيا، لتماثلهم في الاتجاه والوسائل والغايات والأعمال، نولي بعض الظالمين ولاية بعض، فنجعلهم أمراء عليهم، أو أنصارا لهم.
التفسير والبيان:
مثل تولي الجن والإنس بعضهم لبعض نولي الظالمين بعضهم ببعض، بأن نجعل بعضهم أنصار بعض بمقتضى التقدير والسنة الكونية، كما أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، كما قال تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ}[التوبة ٧١/ ٩] وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ}[الأنفال ٧٣/ ٨].