و {أَنْ كَذَّبُوا} مفعول لأجله، أي لأن كذبوا، ويجوز كونه في موضع رفع، لأنه خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هو أن كذبوا، أو بدل من {السُّواى} رفعا ونصبا. و {السُّواى} منصوب بأساؤوا انتصاب المصادر، لأنه مصدر.
{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ} أي أولم يحدثوا التفكر فيها، أو: أولم يتفكروا في أمر أنفسهم، فإنها أقرب إليهم من غيرها، فبالتفكر يرجعون عن غفلتهم {ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى}{ما خَلَقَ} متعلق بقول محذوف معناه: أولم يتفكروا فيقولوا هذا القول، وقيل: معناه: فيعلموا؛ لأن في الكلام دليلا عليه. ومعنى قوله:{إِلاّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى} معناه: ما خلقها باطلا وعبثا بغير غرض صحيح وحكمة بالغة، وإنما خلقها مقرونة بالحق، مصحوبة بالحكمة، وبتقدير أجل مسمى لا بد لها من الانتهاء إليه، وهو قيام الساعة ووقت الحساب والثواب والعقاب. {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النّاسِ} مثل كفار مكة {بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ} أي لا يؤمنون بالبعث بعد الموت، أي جاحدون يحسبون أن الدنيا بداية وأن الآخرة لا تكون.
{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ، فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} حض على السير في أقطار الأرض، والنظر في آثار المدمرين من قبلهم من الأمم، وهي إهلاكهم بتكذيبهم رسلهم {كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} كعاد وثمود {وَأَثارُوا الْأَرْضَ} حرثوها وقلبوها للزرع والغرس {وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمّا عَمَرُوها} أي عمروا الأرض أكثر من عمارة أهل مكة إياها، فإنهم أهل واد غير ذي زرع. وفيه تهكم بهم من حيث إنهم مغترون بالدنيا، مفتخرون بها، وهم أضعف حالا فيها {وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ} بالمعجزات، والآيات الواضحات، والحجج الظاهرات {فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ} ليفعل بهم ما يفعل بالظلمة، فيدمرهم من غير جرم ولا تذكير {وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} حيث عملوا ما أدّى إلى تدميرهم.
{ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى} أي ثم كان عاقبتهم العقوبة السوأى، والمراد بها جهنم، والسوأى: تأنيث الأسوأ أي الأقبح، أو مصدر كبشرى {أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ} أي كانت إساءتهم بأن كذبوا بالقرآن.